آمال كثيرة يعلقها الموريتانيون مذ أعلن عن قرب استغلال حقل تورتو وآحميم المشترك مع نهاية العام المقبل 2023، فالبعض يتوقع أن يتغير واقعه الاقتصادي بمجرد بدء استلام موريتانيا لأول دفعة من عائدات الحقل، ولعل هذه توقعات تحتاج إلى مراجعة متأنية لمعرفة إمكانية تحقيقها، خاصة في وجود عوامل كثيرة يجب أخذها في الحسبان. فهل تتحقق تلك التوقعات التي يرى أصحابها أنها مشروعة؟
في أحدث تقرير له حول آفاق النمو
الاقتصادي توقع البنك الافريقي للتنمية أن تحقق موريتانيا سنة 2024 معدل نمو سنوي
يناهز 7% ، وهو معدل يذكرنا بالطفرة التي حدثت في هذا المؤشر حين سجل 11.7% أو
18.3% سنة 2006 بسبب توقعات إنتاج النفط، لكنه لم يستمر لتحقق
موريتانيا لاحقا معدلات نمو متذبذبة بدأت سنة 2007 حين سجلت ( -1.97 )
وزير الاقتصاد وخفض سقف التوقعات!
في أحدث تصريح له قال وزير الاقتصاد
في المؤتمر الصحفي الأسبوعي للتعليق على نتائج إجتماع مجلس الوزراء إنه قدم
للحكومة بيانا يتعلق بخطة العمل الثانية للاستراتيجية الوطنية للنمو والرفاه
المتسارع، للفترة ما بين 2030-2016 ، مقدما الخطوط العامة للخطة الثانية
2021-2025 متضمنة 280 مشروعا، بغلاف مالي قدره 500 مليار أوقية
جديدة ، وذكر معقبا على هذه الخطة أن شروط إنجاحها تبدأ " بضرورة متابعة التمويلات العمومية
عن قرب وحسن التبادل مع الممولين الخارجيين والقدرة على التسيير الجيد للمشاريع،
إضافة إلى مجموعة من الإصلاحات لتحسين مناخ الأعمال"
كما ذكر في تصريح سابق، تحديدا في يوليو خلال
مقابلة له مع صحيفة " جون آفريك " وجود " تفائل حذر " بشأن حقل
الغاز مذكرا بما حدث في حقل شنقيط وباندا النفطيين
الذين بنيت عليهما آمال كبيرة لكن النتيجة كانت خيبة أمل شاملة، حيث تم في شهر
مايو الماضي الاتفاق مع شركة Havfram النرويجية على تفكيك البنية التحتية للحقلين
لتكتمل آخر فصول خيبة الأمل. كما أشار في
ذات المقابلة أن أولوية شركة " BP" تختلف عن أولوية الحكومة الموريتانية، ولذلك عليها
أخذ ذلك في الحسبان، وفي تعقيبه على أحد اجتماعات مجلس الوزراء نبه كذلك على أن موريتانيا
لا يمكنها الاعتماد على موارد لا تتجدد مشيرا بذلك إلى عائدات حقل الغاز المنتظر
في السنوات اللاحقة، منبها إلى ضرورة استغلال تلك العائدات في مجالات تسمح بتنويع
الاقتصاد، وهذا التصريح حين يصدر عن وزير للاقتصاد، يمكن أن يوحي أنه لم توضع خطة
معينة لاستغلال هذه الموارد وإلا كان ذكرها في نفس السياق.
هل يبالغ الموريتانيون فرحا بعائدات
الغاز؟
قبل محاولة
الاجابة على هذا السؤال الجدلي، يجب أولا الاجابة على أسئلة جزئية أو فرعية
بإجمال، وستمكننا من توقع ما قد يحصل لاحقا. فبالنظر إلى مؤشرات الشفافية الدولية
ومؤشر التنمية البشرية ومؤشر مدركات الفساد وكذا تقرير البنك الدولي حول تهريب
المساعدات المالية والقروض إلى الملاذات الضريبية حول العالم - التقرير الصادر فى
شهر فبراير 2020، والذي تحدث عن قيام مسؤولين موريتانيين بتحويلات مالية بقيمة 182
مليون دولار "حوالي 62 مليار أوقية
قديمة " إلى ملاذات ضريبية - فإننا
لا شك سيحصل لدينا شك مزمن في إمكانية تحقيق استفادة فعلية من هذه العائدات.
كذلك وبالاشارة
إلى تصريح وزير الاقتصاد حول ضرورة متابعة
التمويلات العمومية عن قرب والقدرة على التسيير الجيد للمشاريع، فإن ذلك يمكن
تفسيره بوجود فقر في كفاءة الكادر الاداري
وهذا ما يحيلنا - كذلك - إلى احتلال موريتانيا لمرتبة متأخرة في مؤشر التنمية البشرية أي المركز 158 عالميا. حين لا تكون قادرا على
الاستفادة من التمويلات الدولية لمشاريع بلدك، وتعجز عن تنفيذ المشاريع العمومية
بالشكل الذي يحترم دفتر الالتزامات، تفشل
في الاستفادة من التمويلات حسب ما أشار إليه وزير الاقتصاد في افتتاحه لورشة " حول متابعة أداء محفظة
مشاريع وبرامج التنمية " حيث قال إن 55 من محفظة المشاريع في موريتانيا
متعثرة وتعاني من بطء في تنفيذها. فإن ذلك أيضا يصب في اتجاه التشاؤم بإمكانية
تحقيق استفادة حقيقية.
وعلى الرغم من أنه لم يعلن بعد عن خطة
استيراتيجية محددة لمجموعة المشاريع التي تعتزم الحكومة تنفيذها انطلاقا من عائدات
الغاز، واقتصار الحديث على توقعات تحقيق
معدلات نمو كبيرة، فإنه سيبقى هناك بصيص أمل يمكن التعلق به بشكل عام لتحقيق تنمية
حقيقية تنتشل الوطن من مستنقع الفقر الذي يقبع فيه منذ سنوات.