في عطلة نهاية الأسبوع جمعني حديث شيق مع احد الزملاء تناولنا خلاله
الكثير من الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلد وكان حاضرا لهذا الاجتماع
احد الصحفيين أيضا، ومما تحدثنا فيه ــ بعد أن أشبعنا الجانب الاجتماعي نقاشا ــ
المجال السياسي والفساد المستشري في مفاصل الدولة بقيادة جنرال الفساد محمد ولد
عبد العزيز، إلا أن النقطة الفيصلية التي أثارت انتباهي وقلبنا جميع جوانبها نقاشا
هي حينما أعاد هذا الفساد إلي فترة سحيقة من تاريخ المجتمع الموريتاني حيث لا
تعيدك الذاكرة إلي ذلك التاريخ إلا بالخير والاحترام ،فترة العلماء الأجلاء
والمحاظر المنتشرة في ربوع موريتانيا ، الفترة التي سماها فترة الظلام ، تلك
الفترة هي حينما كان القوي من القبائل الموريتانية يسطو علي الضعيف منها ، فترة
الزوايا والأمراء الذين يبسطون سيطرتهم علي الأراضي الموريتانية علي شكل إمارات،
قال لي : أتعرف سبب هذا الفساد؟ أجبته علي عجل، طبعا الأنظمة المتعاقبة التي قتلت
الحرث والنسل ، رد علي بكل برود ، لا إنه مايدعي المقاومة في وجه الاستعمار
الفرنسي، هذه الحرب التي قادها مجموعة من المرتزقة أمراء المناطق الذين لم يكن
يحركهم إلا الخوف علي سلب سيطرتهم التي يبتزون بها القبائل الضعيفة، ولا تقل لي أن
الدين يحركهم فلو كان كذلك لما تقاتلوا وتناحروا في ما بينهم قبل دخول الاستعمار
ولكن لما شعروا بالتهديد توحدوا بدعوي المقاومة والجهاد،علي العكس مما قام به
العالم الجليل بابه ولد الشيخ سيديا الذي أدرك أن تلك الفترة من السيبة لا يمكن أن
يسيطر عليها إلا الفرنسيين الذين بدأت تربطهم به علاقة خصوصا مع كزافي كبلاني.
كل هذا الحديث المنساب بهدوء وأنا
أحدق فيه باستغراب إلي أن انتهي قلت له ، يا رجل، لو لا المقاومةــ المحظرية
خصوصاــ لكنا الآن مجموعة من النصارى لا دين ولا قيم ولا أخلاق ولا حتي حوزة
ترابية، ربما، إن هؤلاء الرجال أبطال، قال بكل هدوء أتعرف أن بعض رجال المقاومة
حاربوا إلي جانب الفرنسيين بعد أن ضمن لهم بقائهم في إماراتهم، إذا لم يكن الأمر
بدافع حب الوطن ولا الدفاع عنه، إنما من اجل مصالح ضيقة ليربط الواقع اليوم من هذه
النقطة قائلا: لو كنا تعاونا مع المستعمر آنئذ لكنا الآن دولة متعلمة تنعدم فيها
الأمية والبطالة، مما ينجم عنه وعي الشعب بمصالحه وحقوقه وواجباته ولما كان يسيطر
عليه زمرة من العسكريين الفاسدين الذي لا يفقهون من إدارة الدولة إلا المصالح
والقرابة,
في النهاية قلت له علي العموم هذه وجهة نظرك لنا أن نحترمها لك عسي أن
تجد طريقها للتمحيص، علما أنني استغرب هذا المنطق في القدح في موروث تحترمه الأمة
الموريتانية وتقدره، أضاف دون أن أنهي كلامي، وردا علي قائلاــ ربما لجهلهاــ ،ختمنا
حديثنا وتناولنا كأس شاي في انتظار بدأ المباراة اللاحقة.