قبل أيام وقعت
موريتانيا والجزائر مجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بلغت 26 مذكرة تفاهم
واتفاقية، في عدة مجالات أهمها قطاع الطاقة والمناجم، الكهرباء والطاقة المتجددة،
بالاضافة لبروتوكول تعاون في قطاع الصيد البحري وآخر عبارة عن بروتوكول تنفيذي في مجال الإعفاءات
لإنشاء الطريق البري الرابط بين مدينتي تندوف الجزائرية والزويرات.
قبل ذلك، وفي 15
يوليو الماضي زار رئيس مجلس المستشارين بالبرلمان المغربي النعم ميارة موريتانيا
بدعوة من نظيره الموريتاني نوقش خلالها إحداث منتدى برلماني مشترك، اقترح أن يكون
جسرا بين رجال الأعمال والمستثمرين والخبراء المغاربة ونظرائهم الموريتانيين،
بالإضافة إلى جذب مستثمرين حقيقيين من المغرب وموريتانيا في مجال الاستثمارات التي
تفيد البلدين، وكان شكيب العلج، رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب في 11 فبراير
الماضي قد حث المستثمرين المغاربة على الاستثمار في موريتانيا خاصة في مجال
الزراعة.
في نفس السياق
يأتي انطلاق أشغال النسخة الثانية من المنتدى الاقتصادي المغربي الموريتاني الهادف
إلى تعزيز علاقات التعاون الاقتصادي التي قال رئيسا اتحاد أرباب العمل بالبلدين في
كلمتيهما أنها دون المستوى.
هنا تحيلنا
النقطة الأخيرة إلى الأرقام التي يقدمها موقع (OEC) المختص في تقديم الاحصائيات الاقتصادية
للدول، حيث جاء فيها أن موريتانيا صدرت للمغرب ما يناهز 4.36 مليون دولار سنة 2020
فيما بلغت الواردات من المغرب 189 مليون دولار ، أما الجزائر فقد بلغت الصادرات
الموريتانية نحوها 453 ألف دولار (لم تصل
نصف مليون دولار) سنة 2020 فيما بلغت الواردات منها 38.5 مليون دولار، هذه الأرقام
تظهر الفجوة الكبيرة في الميزان التجاري بين موريتانيا والدولتين، ما يجعلهما
مصرتين على استمرار هذه العلاقات بل وتطويرها، وهذا شيء متفهم حيث إن موريتانيا لا
تملك مصانع ولا منتجات صناعية للتصدير، ما تملكه موريتانيا ولها فيه ميزة نسبية هو
تصدير المواد الأولية وهذه بطبيعة الحال خاضعة لتقلبات السوق الدولية، الشيء الذي
يجعل البلد هش تجاه الصدمات الخارجية، ومعرض لتراجع معدلات نموه عند أول أزمة
دولية.
تعتزم نيجيريا
تصدير غازها إلى أوروبا وعلى هذه الأساس فكرت في طريقين للتصدير، الأولى أن يمر خط
الأنابيب من النيجر ثم الجزائر حيث يتم ربطه بالأنبوب الجزائري باتجاه أوروبا،
والطريقة الثانية أن يمر الانبوب عبر سواحل الدول الافريقية المطلة على المحيط
الاطلسي حتى المغرب، هذا الشيء خلق جدلا بين الدولتين وكل منهما ترى أن المرور
عبرها هو الأقل تكلفة، لكن شركة البترول الوطنية النيجيرية وقعت يوم 15 سبتمبر
الجاري مذكرة تفاهم بشأن مشروع خط الأنابيب مع المكتب الوطني للمحروقات
والمناجم المغربي، لتنفيذ المشروع الممتد بطول 7000 كيلومتر ، هذه الخلفية تحيلنا إلى أن
الدولتين تسعيان جاهدتين للحفاظ على مصالحهما التجارية على الرغم من أن المغرب
سباقة من هذه الناحية وهو ما تحاول الجزائر اللحاق به من خلال الزيارة الأخيرة
وتوقيع كل تلك الاتفاقيات ناهيك عن استعدادها لتشييد طريق تيندوف ازويرات. إذا كل
ما على موريتانيا الآن فعله هو تحقيق أقصى منفعة ممكنة من هذا الصراع الاقتصادي مع
الحفاظ على التوازن المطلوب لتحقيق ذلك.
ماذا ستستفيد
موريتانيا؟!
ليس من المنتظر
في الأمد القريب أن يحدث توازن على مستوى الميزان التجاري مع البلدين الجارين ومن
باب أولى أن يميل لصالح موريتانيا، فالمرحلة التي وصل لها اقتصادهما متقدمة عنا
بأشواط، فالناتج المحلي الاجمالي المغربي يبلغ 115 مليار دولار أي ضعف الناتج م الإجمالي الموريتاني (16 مرة)
فما يبلغ الناتج المحلي الاجمالي الجزائري 145 مليار دولار أي ضعف الناتج م
الإجمالي الموريتاني (21 مرة) حسب (إحصائيات 2020)
ومع ذلك كله ليس
على موريتانيا إلا مواصلة العمل محليا عبر إقامة بنى تحتية صناعية ذات إضافة قوية للناتج
المحلي الاجمالي، كما عليها العمل على الجانب الزراعي فبه وحده سيجعل البلد قادر
على الاعتماد على ذاته، فالمنتجات الزراعية إحدى أهم الصادرات التي تتميز بها المغرب
- موريتانيا أحد معابرها إلى الدول الافريقة- والاستفادة منها في ذلك مسألة ضرورية
للغاية، الشيء الذي أشار إليه شكيب العلج، رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب كما
أشرنا أعلاه.
ليس من الحصافة
حصر التبادل التجاري بين موريتانيا وهذه البلدان في الاستثمارات التي تركز على
المواد الغذاية فذلك لا يشكل أي إضافة حقيقية للاقتصاد الموريتاني ، بل على العكس
بالنسبة لهم، إذ يعمل على زيادة في الاحتياطي النقدي لهما من ناحية، واستنزاف للعملة الصعبة من موريتانيا من ناحية
أخرى، وهو ما تظهره إحصائيات البنك المركزي، حيث إن أغلب القروض المصرفية لمجموع
الـ 18 مصرفا تذهب للتجارة فقط، فقد مثلت
14% من مجموعها متجاوزة كل القطاعات الأخرى.
لعل هناك مسألة
أخيرة من الجيد رؤية العلاقات الاقتصادية بين هذه البلدان الثلاثة تتجاوزها، ألا
وهي قضية الصحراء الغربية التي لا ينبغي أن تكون عائقا أمام تطوير هذه العلاقات،
فالاتحاد الأوروبي ـ مع الفارق ـ طور
علاقاته الاقتصادية واهتم بمصالحه متجاوزا خلافات كثيرة بين بلدانه، لعل أهمها
حالة جبل طارق التابع لبريطانيا، في حين تطالب به إسبانيا، وحالة بريطانيا نفسها
التي انضمت للاتحاد الأوربي بشكل سمح لها بالاحتفاظ بخصوصيتها، هنا نسنتنتج أن
العلاقات الاقتصادية والمصالح تأتي في المرتبة الأولى دائما وموريتانيا عليها
الحرص على ذلك فهي أحوج من الجميع لاتباع استيراتيجية براكماتية تضمن لها مصالحها
فقط.