الأربعاء، 18 أكتوبر 2017

المجرية.. مدينة يسكنها الخراب والاهمال والعطش (ح 1)

بنهاية هذا العام  (2017) يكون عمر مدينة المجرية مائة واثنا عشر عاما (112 عام) حسب روايات بعض كبار السّن الذين يرجعون تاريخ تأسيس المدينة لسنة 1905، تاريخ وصول بعض الفرنسيين بحثا عن مكان نبع مياه عذبة جارية ، وكان أن تم توجيههم إلى المنطقة المعروفة حاليا ب " أشتف " ليستقروا بعد ذلك هناك مؤسسين مقرا دائما. وتقول بعض الروايات أنهم أول ما أنشأوا من مباني كان ما يعرف محليا ب " دار غايب " غربا،  ثم بدأوا الزحف باتجاه مقر المدينة الحالي إلى أن استقروا بشكل دائم هناك، و شيدوا مبانيهم التي لازال بعضها قائما إلى الآن على الرغم من أن هذه البنايات لم تعد صالحة للاستخدام ما لم ترمم (الصورة رقم 1). وكانت أول مدرسة أسست بالمجرية حيث درس بها الكثير من أبناء المنطقة قد دمرت منذ سنوات قليلة (الصورة رقم 2) ويقبع مكانها الآن مبنى مدرسة جديدة مشيدة في مراحلها النهائية وكذا مبنى مفتشية التعليم.


الصورة رقم 2
الصورة رقم 1
تعمدت الاستهلال بهذه النبذة التاريخية المتداولة لعلاقتها الوثيقة بما أريد الوصول له تاليا من خلال سرد مجموعة من المشاهد التي باتت تطبع هذه المدينة المهجورة والمتداعية بل لنقول الآيلة إلى الاندثار إن جاز التعبير.
تشرئب الأعناق توقا إلى المدينة التي تبدو من بعيد جميلة، بيوتها متراصة بشكل أنيق خاصة و أنت تلقي نظرة فاحصة من فوق و إن كنت من قاطنيها فسوف يكون من السهل عليك تمييز منزلك من بين الكثير من المنازل المتشابهة، هذا من فوق فقط، أما وأن تسلك الطريق نزولا فسيصدمك المنظر، بِدْأ بمقر فرقة الدرك المتهالك و العارية حيطانه من أي منظر جمالي، حتى أن الاسمنت الذي يغطى عورة الحجارة الناتئة قد تساقط بفعل عوامل التعرية التي يبدو أنها تتعمد ترك آثارها القاسية على المدينة وسكانها، و بما أن هذه هي حالة مقر كتيبة الدرك فما بالك ببقية المباني، وعلى الرغم من أن هذه المساكن قد أخذت في التبدل على استحياء من منازل الطين المتهالكة إلى منازل اسمنتية إلا أن ذلك لم يمنع سيطرة المناظر القبيحة التي تغطى المشهد إلى حد بعيد على الرغم من أن الجانب الغربي للمدينة أجمل نسبيا من حيث المباني  من الجانب الشرقي والوسطي إلا أن البيوت المدمرة و الآيلة للسقوط تبقى هي السمة الغالبة ( الصورة 4 و 5)

الصورة رقم 4
الصورة رقم 5

عرفت المدينة منذ سنوات سيل هجرة مروع لسكانها باتجاه نواكشوط أو بعض المدن المجاورة يجعلك في بعض الأوقات تعتقد ألا ساكنة بها حيث كان مجموع الساكنة أحيانا يناهز 600 نسمــــة ( سنة ماضية وقد زاد العدد بالتأكيد) مما يولد لدى الزائر للمدينة ليلا شعورا بالرهبة والخوف من كم المباني المندثرة حيث يستحيل أن تتجاوز شارعا إلا وقابلك منزل تتكوم حجارته مشكلة شكلا هلاميا مخيفا إلى أبعد الحدود. فمثلا شمال سوق المدينة توجد أكبر كمية مباني متهالكة و مدمرة حيث تتصور للوهلة الأولى أنها مدينة ضربها زلزال أدى لمصرع كل ساكنتها، وليس جنوب وشرق السوق (المنطقة المجاورة للمدرسة رقم واحد) بأحسن حال، حيث لم يبق في أغلب الأحيان إلا حائطا واحدا من مبنى كان يوما ما حافلا بالحركة والنشاط، أما اليوم فليس إلا خرابا تتناثر حجارته يمينا ويسارا بل في كل الاتجاهات مشكلة تهديدا صريحا لأقدام المارة و أقدام السيارات التي يحدث أن تتجرأ على عبور أحد تلك الشوارع الملغمة.
إن أصحاب تلك المباني الكثيرة بتركهم لها بتلك الحالة لا يتمتعون بأدنى حس بالانتماء ولا العرفان لمدينة أمدتهم في أوج عطائها بكل ما تزخر به من عطاء معرفي حيث تعد المدرسة سالفة الذكر هي الوحيدة آنئذ والتي درس فيه أغلب إن لم يكن كل أجيال المقاطعة، أما وقد مات لديهم الإحساس بالانتماء لها فقد آثروا ترك مبانيهم بتلك الحالة المزرية و لم يكلفوا أنفسهم عناء بيعها على الأقل لتعتقد جازما أنهم تركوها بتلك الحالة عمدا نكاية في هذه المدينة العتيقة ولا يمكن أن يعد ذلك إلا لؤما و احتقارا، وإلا لكانوا عمدوا إلى تغيير تلك الوضعية المشينة لما كان يوما مقر سكنهم الوحيد ( الصورة 6 و 7)

الصورة رقم 6
الصورة رقم 7

ونشير هنا إلى أن كل الذين يرتكبون هذا الفعل المشين لا يعوزهم الجانب المادي على الإطلاق فكثير منهم موظفون سامون و أسر ميسورة الحال.
و سيتناول الجزء الثاني الجانب الاجتماعي والاقتصادي والسياسي مبينا الخلل العميق والتقصير الظاهر من المنتخبين المحليين و الحالة المتردية للخدمات العامة في المدينة خاصة المياه التي تندر بشكل كبير بحيث اضطر الساكنة لجلبها من آبار تقليدية حفروها بجهود ذاتية وقد نضبت للأسف في حين يمارس آخرون تجارة المياه عبر بيع البرميل بألف أوقية. 

                                                                            

رأيكم يهمني

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

blogtopsites'