ليس عليك إلا أن تلقي نظرة خاطفة من على
الجبل المعروف محليا بـ " اكليب سيداحمد " أو من على المنعطف المعروف
محليا أيضا بـ " لكرينات " لتبدو لك المدينة بشكل آسر جدا وخلاب، خاصة
إذا كنت من غير ساكنيها، فقط أخذك الفضول للصعود على ذلك الجبل أو أخذتك مهمة ما
للمرور من منعطف " لكرينات " المخيف. شوارع مستقيمة و جميلة إلا المنطقة
القديمة " أدباي " التي تتميز بمبانيها شبه الملتصقة و تداخل حواريها
ومنعطفاتها الضيقة والمتشابكة.
لنفترض أنك نزلت الجبل أو المنعطف و بدأت
التجوال في المدينة، ويا ليتك لم تفعل!، شوارع مليئة بالحجارة والرمال، فأحد شيئين
لديك سيتعرض للضرر، قدميك إن كنت راجلا، أو عجلات سيارتك إن كنت راكبا، كمٌ هائلٌ
من الحجارة المتناثرة في شوارع المدينة بفعل الدُور المتهالكة و المهجورة و التي
تخلى عنها أهلها بلا مبالاة، كثبان رملية تسد الطرقات على الجوانب وفي الوسط كأنها
تتعمد ذلك، تصعد و تهبط و أنت في طريقك إلى حيث تريد.
انتهت منذ أسبوع تقريبا مهزلة الانتخابات
التي لم تجر يوما للمجرية إلا الصراع والشقاق بين الإخوة والأهل بشكل عام، أما غير
ذلك فمن المستحيل أن تلحظه، ناهيك عن أشباه مشاريع مجهرية توزع على الأهل والأقارب
و تتلاشى بعد ذلك مباشرة، أما و أنك ستبحث عن مشاريع مدرة للدخل لتحسين الحياة الإقتصادية
المتردية للمواطنين فذلك أيضا من باب المستحيل، الغريب في الأمر أن نفس الشخص أو
السياسي سيجد تعاطفا أعمى في حال أعاد الكرّة و " ترشح " نائبا أو عمدة،
و كأنهم أناس لا يشعرون، اجْلدهم، تجدهم عن قدميك راكعين مسبحين بفضائلك غير
الموجودة وشاكرين حسن صنيعك في ركوبهم.
في الفترة الماضية كانت عمادة المدينة من
نصيب " حزب التجديد " الذي حل محله " حزب الحاكم " الذي هزم
الآن من طرف " حزب التجديد " عبر رئيس الحزب شخصيا. لقد شهدت هذه
الانتخابات عملية استيراد عجيبة وغريبة، باصات نقل مليئة بأشخاص لا يمتون للمدينة
بصلة جيء بهم من نواكشوط و تجكجة و من نواذيبو بالإضافة لأقلية من ساكنة
المدينة المهاجرين جيء بهم أيضا للتسجيل و
التصويت بعد ذلك، لكن النتيجة الآن هي أن سكان المدينة المقيمون القابضون على جمر
الإهمال الباقون فيها بعد انقشاع " غمة " الانتخابات ليسوا هم من حسم
الخيار على الرغم من أن العمدة الجديد من أبناء المدينة الأقحاح ، إلا أن الخيار
حسم بفعل " المستوردين " و هو فعلٌ قام به المترشحون الثلاثة في الشوط
الأول و تضاعفت حدته في الشوط الثاني حين دعم مرشح حزب الاتحاد من أجل الديمقراطي
والتقدم (UDP ) مرشح حزب التجديد (RD ) – الذي هو رئيسه – على حساب مرشحة حزب الاتحاد
من أجل نهب الجمهورية.
انتهت الحكاية إذا واعتبر حزب التجيد هو
الفائز و غادر المستوردون والسياسيون ، لكن أين الجديد ، أين هي الخطة الاقتصادية
والاجتماعية التي يعتزم حزب التجديد تنفيذها ؟ هل هي مجرد وعود في الهواء استنشقها
المواطنون و ستتسرب كما تسربت وعود كثيرة وعد بها مرشحوا حزب التجديد و حزب الحاكم
على الترتيب؟.
ماذا عن مئات الدور المتهالكة التي ترسم صورة
وقحة و قبيحة للمدينة، ماذا عن الطريق العام الذي لا يتوفر على أي محال تجارية قد
يحدث وجودها فرقا و يوفر دخلا بطريقة من الطرق، ماذا عن مستقبل الشباب الذين ليس
لهم من عمل سوى الجلوس عل قارعة الطريق العام انتظارا لتفريغ حمولة شاحنة نادرا ما
تمر، ماذا عن المياه التي تأتي ليلا و تنقطع في النهار أو العكس، ماذا عن تعليم
فاشل و مدارس تعج بالتلاميذ الذين بلا مستويات و طلاب ثانوية لا ينجح منهم أي أحد في
البكالوريا خلال السنوات الأخيرة؟
لقد بقيت المدنة كأنها مدينة اشباح الكل
ذهب، المستوردون و" المنتخبون " وبقي السكان الأصليون يلوكون الكلمات و
يأكلون الوعود الجوفاء و يمشون في الشوراع بطريقة الأحياء الأموات، و كأنها لعنة
قدّر لأولئك المساكين أن يعيشونها كل خمس سنوات. أما المستقبل فأمر متروك إلى حين
وقوع أحداثه.