الأربعاء، 16 ديسمبر 2020

تحديات الاغلاق في ظل 56.6% من القوة العاملة في وضع مؤقت

 


تحديات كثيرة وجدت الدول النامية نفسها في مواجهتها بفعل الأزمة الصحية العالمية (كوفيد 19)، هذه التحديات تجلت في كون الأزمة لم يبق تأثيرها على المستوى الصحي فحسب، بل تطور إلى مستويات مختلفة، ولعل أهمها، المستوى الإقتصادي، حيث يتجلى الأثر الأكبر، فالدول النامية في أغلبها تعتمد في تنفيذ برامجها التنموية على تصدير المواد الأولية، وأبرز مثال على ذلك موريتانيا، فهي شبه معتمدة على الصادرات من الحديد والنحاس والذهب والسمك ...إلخ، وبما أن الدورة الاقتصادية العالمية عرفت تباطؤا شديدا، انعكس على الدول المصدرة بشكل مباشر، فنجد أن أغلبها طالبت منذ البداية، بتأجيل أقساط الدين المستحقة الدفع، وهو ما استجاب له الدائنون بمختلف مستوياتهم، حيث تم التأجيل أكثر من مرة، ولا يزال رؤساء بعض الدول الأفريقية يطالبون بالتأجيل أو الإلغاء لهذه الديون. و أوضح مثال على ذلك ما صرح به  الرئيس الموريتاني، الذي طالب في خطاب ألقاه الاثنين 30 نوفمبر 2020 في قمة مشتركة بين دول الساحل الخمس والاتحاد الأوروبي معتبر أن هذه الدول تواجه صعوبات كثيرة حتى قبل الجائحة.

موريتانيا تعتبر من الدول التي تعاني بشدة، فهي من بين الدول ذات المستوى الصحي المتدني وتحتاج للمساعدات بشدة للتغلب على الوباء، وعلى المستوى المحلي قامت الحكومة بمجموعة من الإجراءت القاسية لضبط الوضعية الوبائية في الموجة الأولى، حيث أغلقت بين الولايات مع بعضها البعض وعزل نواكشوط باعتباره بؤرة للوباء، لكن هذه الإجراءات كانت أشد وقعا على العمالة غير الدائمة وأصحاب الدخل اليومي غير المنتظم، وبالنظر إلى أن اقتصاد موريتانيا ضعيف نسبيا حسب صندوق النقد الدولي، إذ تحل موريتانيا في الترتيب 147 من أصل 186 دولة حسب الناتج المحلي الإجمالي، ويعاني من بطالة تقدر ب 13.3% في النساء و 10.9% في الرجال وعمالة غير دائما تمثل 56.6% من القوة العاملة، فإن ذلك يحيل إلى وضعية غاية في القتامة.

وفي نفس الإطار يشير تقرير البنك الدولي الصادر في مايو 2019 بعنوان  " تقرير حول الوضعية الاقتصادية لموريتانيا ، تحسين مناخ الأعمال لتعزيز تنمية القطاع الخاص[1]" إلى وضعية عمالة صعبة على المستوى الوطني في 2017 إذ أنه من بين كل خمسة أشحاص تقل أعمارهم عن 25 سنه، أكثرمن اثنين منهم لا يتوفرون على فرصة عمل، وفي نفس الوقت فإن نسبة 44.2% من الفئة العمرية بين 14 و35 سنة لا يتوفرون على نشاطات مهنية كما ليسوا متعلمين وليست لديهم أي مهن محددة، وهو ما يعني درجة مرتفعة من الهشاشة على المستوى الاجتماعي. بالاضافة إلى ذلك تسجل فوارق كبيرة على مستوى سوق العمل بين الرجال والنساء، حيث تمثل النساء تقريبا نصف القوى العاملة الموريتانية في عمر التوظيف، إذ تصل 57.5% في حين  28.2% فقط منهن ينشطن في سوق العمل، مقابل 59.6% بالنسبة للرجال.

من ناحية أخرى يشير التقرير إلى أن سوق العمل الموريتاني شبه معوق بسبب انتشار العمالة غير الرسمية، ففي 2017 مثلت الوظائف غير الرسمية أكثر من 56% من إجمالي القوى العاملة، وباستثناء المجال الزراعي، فالوظائف غير الرسمية ترتفع في المجال التجاري حيث تصل 44% وفي مجال الخدمات 21% وفي قطاع التصنيع 26%، وبشكل عام انتشار العمالة غير الرسمية مرتفع بين الشباب في نواكشوط حيث تتركز قرابة 38% من اليد العاملة غير الرسمية. وترتفع العمالة المؤقتة أساسا في القوى العاملة من الذكورالأميون حيث تصل 63%  وفي القوى العاملة بين النساء الأميات في الفئة العمرية بين 14 و 29 سنة إلى 56%.

و إجمالا فإن العمل المؤقت أو غير الرسمي، ويعرف أحيانا بغير الدائم، لا يتيح للعامل الحصول على مرتب كافي، يسمح له بتغطية حاجاته بالشكل المطلوب، إذ أن الاقتصاد غير الرسمي يوظف غالبا العمال الأقل تكوينا وتأهيلا والأقل إنتاجية وهو عكس ما يحدث على مستوى العالم.

 مع أزمة كوفيد 19 بات العالم يعرف ظروفا وأحوالا اقتصادية تختلف في كثير من جوانبها عن طبيعة ما قبلها  فلم تعد  ظروف العمل كما كانت، إذ أصبح الكثير من العمال يقومون بوظائفهم من المنازل، حفاظا علي صحتهم، وفي ظل عمل حكومة أبعد ما يكون عن الاعتماد على الانترنت فإنه يمكن تصور الصعوبات والبيروقراطية التي ستأثر على الأداء اليومي، ناهيك عما هو موجود من قبل، كما أنه في ظل إهدار كبير للوقت في الإدارات العمومية فإنه تمت التوصية بتقليل عدد الموظفين في كل إدارة وهو ما يشيرإلى تباطئ شديد في مستوى الدورة الاقتصادية التي تعاني أصلا من البيروقراطية والفساد، وفي نفس الإطار يقول تقرير للبنك الدولي بعنوان " تحويل التحديات إلى فرص من أجل القضاء على الفقر وتعزيز الرفاه المشترك/ دراسة تشخيصية منهجية عن موريتانيا " أنه  ( مازالت نظم المحسوبية في الإدارة العامة تشوه الهياكل التحفيزية وتؤثر على قدرات توزيع الموارد العامة وتقديم الخدمات، ولا تزال الادارة العامة أكبررب عمل نظامي ...... ومع ذلك لا تزال الوظائف العامة تتأثر بشكل كبير ومباشر بالمصالح الخاصة، ولم يتم إضفاء الطابع المؤسسي على عملية تعيين كبار المسؤولين الإداريين على أساس الجدارة والإدارة القائمة على الأداء، ولا يزال منطق السعي للحصول على الريوع (جمع ريع) سائدا عبر طبقات الإدارة، مما يتسبب بالاخلال بالسياسات العامة والحد من المساءلة عن تقديم الخدمات[2])

إذا، في ظل الموجة الثانية من الوباء تكون المعادلة صعبة للغاية، فمن جهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة لمجتمع جل عمالته غير منتظمة وتعتمد الكثير من أسره على معيلة، ذات نشاط اقتصادي ضعيف، ومن جهة ثانية ضرورة اتخاذ إجراءات قاسية للحفاظ على الصحة العامة.

في الاغلاق الماضي تم توزيع مبالغ مالية نقدية على 200 ألف أسرة في 8119 قرية ومدينة، بمعدل  22500 أوقية قديمة للأسرة الواحدة بالاضافة لاجراءات أخرى متمثلة في دفع تكاليف فاتورة الكهرباء من طرف الدولة الموريتانية، وهو الأجراء الذي أثار الكثير من اللغط بعد ذلك، إذ تعتقد الأسر التي استفادت من هذه المساعدة أن الشركة ضاعفت تكلفة الفاتورة بعد انتهاء فترة الاعفاء تلك، واتباع نفس الاجراء الآن سيكون مكلف اقتصاديا ، علما أن الكثير من الاقتصاديين يعتبرون ضخ السيولة النقدية في السوق قد يساهم في زيادة التضخم ، خاصة على مستوى المواد الغذائية الأساسية على الرغم من أنها طريقة تتبع أحيانا.

عموما وعلى الرغم من أن تحمل الحكومة لهذه التكاليف خفف نوعا ما، ودون الخوض في الشكاوي من أن المواطن تحمل تكلفة الاعفاء بعد ذلك، إلا أنه يبقى دون المستوى، كذلك فإن توزيع المبالغ في ظل الاغلاق لم يكن كافيا، فكم تساوي 22500 أوقية قديمة من تكاليف معيشة لأسرة صغيرة؟ دون الحديث عن أسر أكبر، علما أن المتضرر وهي الأسر الفقيرة غالبا ما تكون بأعداد كبيرة، وأخذا في الحسبان إحصائية البنك الدولي التي تقول أن 56.6% من القوى العاملة الموريتانية في وظائف مؤقتة أو غير رسمية سيكون النظام أمام وضعية معقدة للغاية ما لم يجد جديد يجعل وقت الإغلاق قصير جدا.



[1] La Banque Mondiale ; Rapport sur la situation économique en Mauritanie; améliorer le climat des affaires pour favoriser le développement du secteur privé - Mai 2019 

[2]  - وثيقة للبنك الدولي، تحويل التحديات إلى فرص من أجل القضاء على الفقر وتعزيز الرفاه المشترك/ دراسة تشخيصية منهجية عن موريتانيا، مايو 2017 (تقرير رقم  MR-116630).

الاثنين، 7 ديسمبر 2020

ُ لنعمل لنتعلم بلغتنا الرسمية ( حملة فيسبوكية)

 

يتكون المجتمع الموريتاني من ناطقين باللغات التالية ( العربية والبولارية والسوننكية والولفية) وينص الدستور الموريتاني في المادة السادسة منه على الآتي: ( اللغات الوطنية هي العربية والبولارية والسوننكية والولفية. اللغة الرسمية هي العربية).

مرَّ تاريخ التعليم في موريتانيا بتقلبات معروفة لدى الجميع و لدى المهتمين بشكل خاص، لقد تم تكرار ذكرها مرات عديدة ونوقشت بما فيه الكفاية، ولست في وارد ذلك الآن، إلا أن ما نعانيه اليوم من تردي في خدمة التعليم ناتج لتلك التقلبات غير المدروسة في السياسات التعليمية. لا أقدم هنا وصفة بيداغوجية تربوية لإصلاح التعليم بقدر ما أحاول التركيز على واقع أعيشه كالكثيرمن أبناء الوطن الذين اكتووا بواقع بائس جعلهم يطرحون التساؤلات التالية:

- هل اللغة العربية هي فعلا اللغة الرسمية للدولة؟

- لم يتم اقصاؤنا من المسابقات الوطنية، بسبب عدم معرفة لغة أجنبية غير اللغة الرسمية للبلد؟

- لم تتعامل المؤسسات الخدمية يوميا مع المواطنين بلغة لا يفهمونها، وحتى إن فهموها، فلم، وهي ليست لغتهم الأم.

- لم يقف الكثير منا سدا وحائلا في وجه كل ناطق بالعربية ؟

- لم نتهم كمطالبين باعتماد اللغة التي نص عليها الدستور الموريتاني، بمحاولة إقصاء موريتانيين آخرين مثلنا؟

 

أولا، تنقسم الآراء الناقدة للمطالبين باعتماد اللغة العربية لغة رسمية للتعامل اليومي إلى قسمين، قسم يرى أن اللغة العربية لا تصلح لغة للعلم وتتصف بالعجز و الجمود.

ثانيا ، قسم آخر يرى أن استخدام اللغة العربية سيقصي المكونات الموريتانية الأخرى، التي ليست اللغة العربية لغتها الأولى.

 

أما بالنسبة للرأي الأول، فأقول؛ إذا كانت اللغة العربية ليست لغة علم، عكس اللغة الفرنسية، فلم تقدمت دول لا تعتمدها ولا تعتمد الفرنسية ولا الانجليزية، روسيا والصين و اليابان وكوريا الجنوبية وإيران وإسبانيا وغيرها كثير، دول تعتمد على لغتها الوطنية في تدريس مختلف العلوم.

 

 تعمدت عدم ذكر أي دولة عربية رغم وجود المثال، لكن أليست هذه دول وتدرس بلغتها الوطنية؟ ما المشكلة إذا؟! إذا كان المشكل في نظركم يعود إلى تخلف الدول العربية فتلك قصة أخرى، لكنهم لن يتطوروا بتخليهم عن لغة يعيشها أبناءهم يوميا وينطقونها بسلاسة وستكون دون شك أسهل على التعلم بها من غيرها، عكس لغة ليست موجودة في المحيط العائلي، ولا حتى المحيط الإجتماعي يتحدثها، ومعروف أن إتقان اللغة يتطلب معايشتها يوميا، دون أن أنسى الأسر الميسورة التي تبعث أبناءها إلى السنغال والمغرب لدراسة سنة لغة ليتمكنوا من ولوج السوق، سوق العمل، إذا ما مصير أبناء شعب يعيش الفقر بنسب مرتفعها في الغالب الأعم وبالكاد يستطيع إرسال أبناءه إلى المدارس أصلا، وإن فعل فقد لا يتمكن من اقتناء المستلزمات التعليمية، ناهيك عن تأجير مدرس خصوصي لتعليم لغة أخرى.

 

 أما بالنسبة للرأي الثاني المتبني لفكرة الإقصاء، فإذا كان الأمر كذلك، ألى يعتبر ما يحدث الآن إقصاء هو الآخر لآخرين لا يعرفون الفرنسية، موريتانيون لا يحصلون على العمل بحجة أنهم لا يعرفون لغة ليست لغتهم إطلاقا، أين الإقصاء ولم تتحدثون عنه إن كان الدستور نفسه يقول بأنها اللغة الرسمية كما أشرت آنفا، أليس هذا تناقضا صارخا وتجاوزا للدستور، أم أنكم جبلتم على تجاووزه و أصبح بالنسبة لكم لا شيء يذكر، كما تعود رؤساؤكم، ثم إنه إذا كانت المطالبة باعتماد لغة منصوص عليها كلغة للدولة، تعتبر إقصاءا، فليكن إذا. وما عليكم إذا إلا المطالبة بتغيير الدستور وتغيير اللغة فيه تبعا لذلك، أم أنها المصالح والاستلاب ؟!

أريد أن أشير هنا إلى أن الموضوع بالنسبة لي ليس قومية عربية ولا تعتريه أي صلة بالايديلوجيا البتة، فآخر ما أفكر فيه أمور كهذه، فأنا لا تجذبني ولا أطيق القوميين كايديلوجيا، بل إنها مجرد مطالبة بإنصاف جزء من مجتمع يقع عليه التجهيل والاقصاء بحجج واهية، وكل ذلك خوفا من أن يقول آخرون أنه تم إقصاءهم.

 

تعمدت هنا الانطلاق من النتائج الحاصلة من بطالة مرتفعة وفشل للتعليم باد للعيان، فهي مربط الفرس وحجر الرحى كما يقال، وباعتبارذلك أيضا خير دليل على الفشل الذي نتقلب فيه اليوم والناتج عما سمي ب " إصلاح التعليم " فالتركيز إذا لن يكون على تلك السياسات التعليمية بل على الواقع التعليمي اليوم ومحاولة إصلاحه ، الإصلاح الذي يعتبر أساسه الوحيد التركيز على لغة وحيدة مفهومة للجميع، دون إهمال اللغات الأخرى لكن على الأقل لا يحصر التعليم كلها بها وتقييد التلاميذ الذين ليست لهم إمكانية تعلم لغة لا تتوفر لا الشروط الاجتماعية ولا المادية بتعلمها بالشكل الذي يسمح للتلميذ التحصيل بها بامتياز.

 

إن هذه الإزدواجية التي يعتمدها المنهج التعليمي المتبع، هي المشكلة الأكبر التي تواجه التلاميذ في الابتدائية خصوصا، بشهادة المدرسين الذين قالوا ذلك في مؤتمرات وندوات كثيرة، فلا التلاميذ تعلموا الفرنسية بإتقان ولا تعلموا المواد التي تدرس بها، وفي النهاية يتسرب التلميذ نتيجة العقبة الكأداء التي تعترض تعلمه بسلاسة.

كما أنني هنا أود التوضيح أن الموضوع لا يعني مطلقا، تجاهل تعلم اللغة الفرنسية، أبدا، بل من الواجب تعلمها و تعلم الانجليزية وكل اللغات الممكنة، كل ذلك على أن يكون في مرحلة يصبح التلميذ قادرا على مساعدة نفسه وفهم متطلبات تعلم لغة جديدة، لكن لا ينبغي اعتبار عدم معرفتها عائقا أمام مواطن يبحث عن عمل في وطنه بحجة عدم معرفتها، وإلا فما فائدة اعتبار اللغة العربية لغة رسمية للدولة، فلتتم إزالتها ووضع اللغة الفرنسية مكانها، فهي الآن هي لغة الإدارة الموريتانية والسبب في إقصاء الكثير من الشباب من الحصول على عمل في وطن ضائع.

 

إلا أنه رغم ذلك كله، لا يجب إهمال مكونات المجتمع الأخرى التي قد لا تكون درست باللغة العربية، فيجب إشراكها وايجاد حل يتوافق مع الدستور، أو حل ما، توافقي، كأن يتاح العمل الإداري باللغة العربية إلى جانب الفرنسية ويسمح لكل من يريد المخاطبة وإعداد التقارير اليومية أن يقوم بذلك باللغة التي يجيدها ويرى في نفسه القدرة على الابداع بها بشكل أكبر.

 

ليس غائبا عنا جميعا أن الدولة تعيش عجزا يكاد يكون عاما، فحيثما نظرت ستجد خللا بنيويا جسيما وفي مجال التعليم بالاضافة إلى الخلل المنهجي نلاحظا خللا بنيويا، نقصا حادا في البنية التحتية وتراكما للتلاميذ في مالمدارس حيث وصلا حد يكون القسم عاجزا عن استيعاب الجميع، إذ كيف يستوعب فصلا بطول 6 متر وعرض 4 متر ما يزيد عن 100 تلميذ، كيف يمكن تعلم أي شيء في قسم بهذا الشكل، ناهيك عن الصعوبات سالفة الذكر، فإن تعلم لغة في هذه الظروف يعتبر نوعا من إهدار الوقت لا أكثر.

لنعمل لنتعلم بلغتنا الرسمية

رأيكم يهمني

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

blogtopsites'