‏إظهار الرسائل ذات التسميات عبودية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات عبودية. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 30 نوفمبر 2014

فشلنا الذي هو مؤامرة صهيونية!



لم نلتفت يوما إلى أننا دولة يحكمها نظام عسكري بالتوارث الإنقلابي ، لم ندرك يوما أننا مجتمع ذكوري عنصري، يسعى دوما لإعاقة كل ما هو جميل، كل ما من شأنه أن يسمو بنا إلى حيث المساواة ، العدل والحرية ، والعدالة الإجتماعية.
سيكون من الغباوة ألا تدرك - و أنت تتفرج على دولتك - مدى التردي والإنحطاط الذي بات ملازما لكل الجوانب، الإجتماعية منها والإقتصادية و ما إلى ذلك.
فإن أنت ناديت بالعدل والمساواة فأنت عميل وتقف خلفك أمريكا و الصهاينة، إن أنت طالبت بحقوقك كإنسان فأنت تريد خراب البلد ، لكن من يتهمك لا يدرك بطبيعة الحال أن هذا البلد تم تخريبه منذ مدة طويلة ، منذ ذاق العسكري طعم أموالك التي يوفرها له انتهاك حقك في أن تختار من يمثلك بكل حرية ومسؤولية.
نظام أصر ولا يزال يصر على أن تبقي مطأطأ رأسك ، ليس عليك إلا أن تحمد ما يمن به عليك عسكري جاهل - أي عسكري يحكم - يسعى جاهدا لأن تمتلأ حساباته البنكية نقودا، و حسابات عائلته كلها و أقاربه بل حتى قبيلته ثم المتمالئون معه دون استثناء ، وليس عليك إلا أن تقف متفرجا كما لو أن الأمر لا يعنيك من قريب أو  بعيد.
تلكم هي موريتانيا التي نراها والتي يريد العسكر، أعني هنا أولائك " الجنرالات " الذي عملوا ويعملون على أن تبقى الدولة الموريتانية رهينة في أيديهم ثم بالتالي جيوبهم.
لكن الأقسى من ذلك والمثير للإحباط  أن يكون مجتمعك متخلف وجاهل  تنطلي عليه حيّل العسكر الخبيثة، وسيكون الأكثر إيلاما أن يكون من يفترض فيهم الوقوف في وجه هذا الدمار الممنهج هم أولائك " المثقفون" الذي آثروا الصمت أو السير في جوقة المطبلين، فمجرد أنك ترفض الصمت، ترفض الفكر القبلي النتن ، ترفض تحالف المال والسلطة ، ترفض الفساد ، ترفض العبودية والإستغلال ، إذا أنت عميل وتتبع لمنظمات يهودية وأمريكية من أجل تخريب البلد وتهديد استقراره، إذا أنت تريد تهديد الوحدة الوطنية - غير الموجودة أصلا- ، والتي بالنسبة لهم أن تظل خاضعا لأحكامهم الجائرة خاضعا خانعا تردد ورائهم أناشيد سخيفة يسمونها زورا الوحدة الوطنية ، وأي وحدة هذه؟!
لنفترض أن هناك متآمرون ، منظمات يهودية و إسرائيلية، أمريكية وفرنسية إن أحببت، وكلها تريد سوء بموريتانيا، ألم تسأل نفسك عن الشيء الذي يغري هذه المنظات فيك وفي بلدك ؟ ، بلدك الذي لا بنية تحتية له، لا أمن، لا مشاريع عملاقة،  لا صناعات متطورية ، لا صحة. لا يوجد أي شيء يمكننا المباهاة به، بل على العكس، مجتمع عنصري، قبلي، عاطل في مجمله، أمراض منتشرة، تعليم فاشل، نظام فاسد ودولة فاشلة بالنتيجة، فمالذي يجعلنا عرضة لمآمرة ؟ موريتانيا التي لا تنتج أي شيء يجعلها مستقلة عن العالم يتحدث بعض مرضاها النفسيين عن تآمر العالم عليها، أي حماقة هذه ؟!
إنها مجرد أمراض نفسية مزمنة نتخيل بموجبها أننا مستهدفون ومهددون وفي الحقيقة نحن هم مصدر التهديد ، مصدر الخطر ، مصدر كل البلاوي التي تحدث الآن ولاحقا، نحن من نستمر في الجناية على أنفسنا بتصديق خرافات سخيفة متناسين الفشل والمتاهة التي نستمر في الإبحار فيها إلى مالا نهاية، وكل ذلك بفعل النظام العسكري الفاشل و أمثلته السابقة واللاحقة دون شك.

أعتقد أنه يفترض بنا أن نبحث عن حل لمشاكلنا المختلفة والكثيرة بدل أن نغطي على فشلنا بإلقاء اللوم على الآخرين ، والذين يكونون في أغلب الأحيان هم من يزودوننا بما نحتاجه هبة أو دينا ، فعندما نحل تلك المشاكل وننتج مجتمعا متسامحا ومعتمدا على نفسه حينه سيكون لنا الحق في أن نتهم الغير بإثارة القلاقل بيننا ، أما غير ذلك فلا يعدو كونه مجرد تفاهة.

الأحد، 23 نوفمبر 2014

السباحة في بركة آسنة إسمها موريتانيا !


ها نحن نعود من جديد لنتحدث ونتجادل ويخون بعضنا بعضاً في نفس الموضوع ، ولنفس الأسباب أيضا، ماذا يعني ذلك يا ترى ؟ ألا يعني أن نفس الداء، نعم هو داء !  لا يزال يعشعش في عقولنا المريضة عن وعي أو بغير وعي، هو ذاته الذي يهدأ مرة ثم يظهر بشدة بمجرد أن نلمس ولو بالهمس تلك القضايا الشائكة التي تعتبر بالنسبة للبعض محرمات ، مسائل مثيرة للفتنة ، منتنة تفرق ولا تجمع.
في مرة ما ضية قلت وفي مقال يتناول نفس الموضوع إن الوحدة الوطنية ليست أغنية تافهة، وها أنا أكررها ثانية وثالثة إن دعت الضرورة، الوحدة الوطنية ليس كلاما هنا أو هناك يلوكه صحفي جاهل على صفحات الفيسبوك، بل ومثقف متثاقف يسعى وراء شعبية فيسبوكية أغلبها لا يعرف عن الوحدة الوطنية إلا تينك الكلمتين اللتان صارتا ممجوجتين وكريهتي المنطق.
فلنسموا قليلا بفكرنا الإقصائي المختل، ولننظر من حولنا ، هل كل الظروف المحيطة بنا تشجع على الوحدة، لن أبدي رأيي في هذه النقطة بالذات لأن تلك الظروف تختلف من شخص لآخر لذلك يبقى الحكم نسبيا بامتياز ، لكن لنفترض أن فقيرا معوزا – وهم الغالبية- مر بجانب قصر أو لنقل فيلا فاخرة من فلل المال العام المنتشرة في تفرغ زينة، واستظل بظلها الوارف برهة، هل ترونه يبارك لمالكها ويمسح بيمينه على وجهه وينطلق لحال سبيله ، لا أظن، فقط بالعودة بالذاكرة بسرعة وبشكل مُتخَيَّل لمسكن ذلك الفقير في أحد الأحياء المنسية هناك حيث يُبحث عن الماء على ظهور الحمير مسافة معتبرة ستستطيعون تخمين نيته بكل سهولة، قبل الإسترسال ، لنذكّر أن هذا لا يدخل في مجال الإعتراض على مشيئة الله حيث يقسم أرزاقه على عباده، أبدا، حاش لله، إنه يدخل في مجال أو في نطاق تفكير فقير معوز ينحصر في كيفية تحصيل قوته اليومي وهو يرى أموال دولته ، بل أمواله هو نفسه يرفل فيها غيره سرقة مشروعة، ولنضرب حالة العقيد ول باي كمثال حي على ذلك ، هذا المواطن كيف تتصورون الوحدة الوطنية بالنسبة له ، ولنقس على ذلك كما يفعل الفقهاء في النوازل ، لنقس على ذلك حالة المزارع الذي يعمل في أرض  يفترض أنها أرض الجمهورية الإسلامية الموريتانية ، أرض ورث العمل فيها ولا أقول ورث ملكيتها، لأنها ملك القبيلة أو رجل الأعمال النافذ ، مزارع مثله كيف تتصورون رؤيته للوحدة الوطنية؟ ، وبالعودة لمثالنا الحي، العقيد الشيخ ولد باي ، أو العقداء الآخرين  المستترين بأموال الجمهورية ...الموريتانية، هذا العقيد وهؤلاء العمال المرابطين عند مدخل انواكشوط كيف ترونهم يفهمون ما نسميه نحن – أو بعضنا -  مجازا الوحدة الوطنية؟
كل ما سبق أردت به الإشارة إلى مسألة واحدة، الأنظمة العسكرية الحاكمة هي من يفترض أنها ترسي دعائم ما يسمى الوحدة الوطنية عبر رفع الظلم عن الفقراء ، عبر اتباع سياسات توزع بها ثروات الدولة بشكل أكثر عدالة، بشكل يمنع التفكير في أمور أخرى، هذا من جهة، أما من الجهة الثانية فإن ترك المسائل الحساسة (العبودية وأحداث 1989) عالقة ومحاولة الطمس عليها وتجييش بعض الصحفيين الأغبياء للإدعاء بأن هذا تهديد للوحدة الوطنية فهو هروب إلى الأمام ، فلكي تتحقق الوحدة الوطنية لا يكفي أن يظهر أحدنا في صورة مشتركة مع السيد مسعود ولد بلخير أو مع الأستاذ اسغير ولد امبارك  أو حمل طفل من " لحراطين" أو الزنوج لنثبت وطنيتنا أو التغني بما قدمه مسعود أو غيره، هذه تفاهة ونفاق، فلندرك أنها سلوك يعيش معك، سلوك غير متصنع تتصف به حسب الحاجة.
إن الإستمرار في ترك كل هذه المشاكل عالقة ومحاولة التعتيم عليها أو تخوين وتجريم من يجهر بالمطالبة بتسويتها ليس هو الحل المناسب بل لا يعدو كونه سباحة في بركة آسنة منتنة لمجموعة لاعبين أنانيين يكسبون المليارات في حين يكسب الآخرون فتاتا يرمون لهم به من وراء سترار وبتأفف وكأنهم يتلذذون بصراعهم ومشاكلهم تماما كما تروي كتب التاريخ، هؤلاء اللاعبون هم الجديرون بالإستهداف ، هم الجديرون بالمحاكمة أمام أعين الفقراء الذين تصرخ أمعاعهم قبل أفواههم أنقذونا أنقذونا.


الأحد، 31 أغسطس 2014

الدور الذي تلعبه القبيلة في موريتانيا



منذ أشهر مضت حدثت مشادة كلامية بين مواطنين بسبب قطعة أرضية في إحدي مقاطعات العاصمة نواكشوط، ونتيجة لغياب الدولة كسلطة رادعة، تطورت هذه المشادة إلى مستوى أعلى، فما كان من طرفي النزاع إلا أن استعانا بقبيلتيهما، فازدادت المشكلة تطورا حتى وصلت لحد الإستعداد للصراع، فحشدت كلٌ منهما أفرادها، فكان الشخص يأتي من أقصى نقطة في الوطن شرقا بهدف مناصرة قريبه، بينما تجتهد القبيلة الأخرى على إعلام كل ما تستطيع من أفرادها، قبل أن يتم حل الصراع بطرق ودية، هذه الحادثة التي ليست إلا مثالا بسيطا على عديد الأحداث المماثلة تكشف عن هشاشة كبيرة في بنية الدولة الموريتانية، فبدلا من توجه المواطنين إلى السلطات المعنية لحل المشكلة ، لجئا إلى قبيلتيهما لتأكدهما أن الدولة لن تتمكن من ذلك، بل المفارقة العجيبة أن السلطات المعنية ذاتها كانت هي سبب النزاع بين هذين المواطنَيْنِ.
لكن تجليات سطوة القبيلة لا تتمثل في هذا المشهد البائس وحده، بل هناك الكثير من الحالات التي يتجسد فيها التدخل السافر للقبيلة في قرارات الحكومات المختلفة، والتي تكون غالبا مزيجا من أشخاص يعينهم جنرالات أو رجال أعمال، لتمرير أعمالهم عبر المصالح الحكومية، و وزراء ومدراء آخرين يتم تعيينهم تلبية لرغبة زعماء العشائر، هكذا تتم تركيبة الحكومات الموريتانية المختلفة، أما الحديث عن الشخص المناسب في المكان المناسب فلا تعدو كونها نكتة في قاموس الأنظمة الإنقلابية المتعاقبة.
 وفيما يلي مجموعة من النقاط التي يظهر من خلالها دور القبيلة في الدولة الموريتانية.

- تمنع تطبيق القوانين
- عن طريقها يتم تعيين أشخاص في مناصب لا يستحقونها
- تمنع من معاقبة المجرمين ذوي المكانة في القبيلة
- تطلق سراح المذنبين بمجرد أن يسجنوا في حالة ما إذا سجنوا دون علمها
- تشجيع انتهاك الأعراض، بتوفير الملاذ للمغتصبين وتبرئتهم
- منع الفقراء من الحصول على أراض للإستغلال ( الأراضي الزراعية التي تدعي القبيلة ملكيتها)
- تدفع الضحية عادة للإذلال والمهانة عن طريق ما يعرف باتفاق ودي بين القبيلتين
- لطغيان مفهوم القبيلة يستحيل عليك التعارف مع شخص بشكل طبيعي وتفقد قيمتك عنده إذا رفضت التصريح بقبيلتك.
- تصر السلطات الأمنية في حالة اعتقالك على سؤالك عن قبيلتك وفي حال امتناعك يتم التنكيل بك.
- إقامة تحالفات خاصة في القرى والمدن الداخلية تكون عادة وقودا للصراعات وذلك على أتفه الأسباب متحدين بذلك هيبة الدولة.
- تنمية النزعة العنصرية والطائفية من خلال ما تمثله من طبقية وتراتبية في بنيانها المشئوم.
- تقسيم المجتمع بشكل يزرع التفاوت مما يناهض الدستور و حقوق الإنسان.

- إعاقة تطور الأداء العام للدولة وهذا ما يتجلى في موريتانيا التي لا تزال تشهد صراعات و حساسيات عرقية وشرائحية لا تنتهي.

الثلاثاء، 5 أغسطس 2014

جنرال موريتانيا المنصّب يتوعد الحقوقيين


احتضن الملعب الألومبي السبت الماضي الثاني من أغسطس احتفالا أقامه الجنرال محمد ولد عبد العزيز بهدف تنصيبه بعد عملية هزلية سمّوها انتخابات رئاسية ، وكانت لجنة شكلها النظام الحاكم للإعداد لهذا الإحتفال سعت جاهدة لدعوة أكبر عدد من رؤساء العالم للحضور لهذا الإحتفال، لكن هذه التحضيرات لم تسفر عن أي حضور لرؤساء مهمين أو أي تمثيل رفيع المستوى لدول مشهود لها بالديمقراطية. انقضت إذا مسرحية تنصيب رئيس الإتحاد الإفريقي كما يحب التلفزيون الرسمي وزبانيته تسميته أو رئيس الإسلام كما سماه أحد الفقهاء البارزين الذين دأبت الأنظمة العسكرية المتعاقبة على تدجينهم خدمة لأهدافها كلما دعت الضرورة لذلك، لكن كان من أبرز النقاط التي أثارت انتقادات اتهامه لمنظمات حقوقية برزت محليا واتسعت إلى النطاق الدولي بأنها تسعى لتفكيك الوحدة الوطنية وسيقف في وجهها بكل حزم، حيث قال الجنرال:  ( .. سنتصدى بحزم لدعاة النعرات العنصرية والشرائحية والفئوية والقبلية التي تهدد بتفكيك نسيجنا الاجتماعي ولحمتنا الوطنية )، هذه الجملة بالذات اضطرت ما يعرف " بحِرَاك لِمْعَلْمِينْ " لإصدار بيان ندد فيه باتهامهم بهذه الأوصاف ووصفوه بأنه مجانب للحقيقة لأنهم في حراكهم يركزون على أهمية الوحدة الوطنية والحوزة الترابية كما أنهم يدعون لدولة القانون والمساواة لا دولة التفرقة والعنصرية وهم في ذلك يسعون لنيل حقوق شريحتهم المهمشة ، نفس الموقف تبنته منظمة إيرا الحقوقية التي عبرت في بيان أصدرته عن استغرابها من هذا الخطاب ووصفت ما قاله الجنرال ولد عبد العزيز بأنه لا يعدو كونه عبارات جوفاء إذ  لم يخرج عن عادته في تقديم خطابات لا محتوى لها ولا طموح ولا قصد من ورائها، بل كلها تهديد وزجر ووعيد بدل تقديم خطط تنموية جادة لتجاوز معاناتهم وتقديم حلول مستديمة تقتلع وتجتث أمراضهم نهائيا، وكان الجنرال قد أوعز لبعض المستشارين البلديين بتزكية زعيم حركة إيرا الحقوقية " برام الداه اعبيدي " لكي يتمكن من المشاركة في المهزلة الإنتخابية الماضية حينما امتنعت المعارضة الديمقراطية في الدخول في هذه المسرحية ، وكان يهدف من وراء ذلك لإيجاد من يضفي عليه شرعية انتخابية يبدو أنه لم يحصل عليها لحد الآن والدليل أنه في كل خطاباته أثناء تلك الإنتخابات كانت موجهة للمعارضة المقاطعة دون أن يهتم بمن يفترض أنهم خصومه الحقيقيون.
وبالعودة إلى المنظمات الحقوقية وما تحدثه من حراك اجتماعي متزايد نذكر ما بات يعرف " بوثيقة  الحقوق السياسية والإجتماعية والإقتصاديةلشريحة لِحْراَطِينْ " التي وقعت عليها شخصيات وازنة من هذه الشريحة ونظمت على إثرها مسيرة كبيرة كنوع من التأكيد على المطالب الواردة في هذه الوثقية التي رأت أنها تشكل مخرجا من الإحتقان الإجتماعي المتزايد وقد شارك في هذه المسيرة مختلف مكونات الشعب الموريتاني و أحزاب المعارضة الديمقراطية باستثناء الحزب الحاكم الذي سعى جاهدا لإفشالها في اللحظات الأخيرة ، نفس النهج تبناه " حِرَاك لِمْعَلْمِينْ " حيث أصدر وثيقة  بعنوان " الوثيقة المطلبية لشريحة لِمْعَلْمِينْ ) تتضمن ما يرونه السبيل لنيلهم لحقوقهم كمواطنين يستحقون مكانتهم اللائقة خصوصا مع الدور التاريخي الذي لعبوه في سبيل الإستقلال السياسي لموريتانيا، وتتضمن هذه الوثيقة عدة محاور " محور اجتماعي، و سياسي واقتصادي ، و المحور الثقاقي ثم أخيرا المحور المهني " وتتضمن كل هذه المحاور توصيفا للمشاكل التي يعانون منها و الحلول المقترحة لمعالجتها.

وعلى العموم تبقى موريتانيا في موجهة تحديات اجتماعية جمة ، وتزيد نسبة هذه التحديات و المخاطر الممكن أن تحدث في المستقبل خصوصا في ظل حكم نظام عسكري قمعي يقوم على المحاباة والفساد وتقديم الوظائف والتعيينات على أساس قبلي وجهوي وعلى أساس الولاء السياسي مقابل إقصاء كل من يعترض على سياساته الإقتصادية غير المدروسة خاصة في مجال الصفقات العمومية التي بات المستفيد الوحيد منها هم أقرباء الرئيس والمقربين سياسيا منه والنتيجة دائما هو الفشل الذي يظهر في هذه الصفقات بسرعة فائقة و أقرب مثال على ذلك صفقة المولدات الكهربائية التي اقتنيت لتزويد العاصمة بالكهرباء إلا أنه تم اقتناء مولدات قديمة تعطل نصفها في أول تشغيل لها وغيرها كثير ليس هذا مقامه، ونتيجة للمحاباة و ضعف الوعي الإجتماعي والخطابات الشعبوية التي يرسم فيها الجنرال مستقبلا ورديا للشعب تظل كل تلك التحديات موجودة دون حل ويبقى الفقراء في القاع على أمل تحقيق أحلام من سراب.

الاثنين، 2 يونيو 2014

دستورنا (إلِّ ما نافقْ ما يْوافقْ )


النفاق، النفاق السياسي، الإجتماعي ، النفاق في العمل،  أي نوع من أنواعه شئت ستجده في موريتانيا، لكن أخطره وأشده فتكا هو النفاق السياسي، ومن أشد أشكاله نفاق المثقف للسياسي ، فهو عندما ينافق، فإنه يقوم بذلك عن مقدرة ، عن جدارة في النفاق لا تضاهى أبدا، فمن البديهي أن المثقف "المزيف" يستطيع التأثير في صانع القرار، رئيس ، وزير، مدير وهلم جرا، وفي النهاية الضحية هو المواطن الضعيف، والكارثة أنه لا تبدو في الأفق نهاية لهذه الظاهرة المشينة، خاصة في ظل غياب القانون الذي يبرر به البعض سلوكه حين يقول ( إن ما لم تستطع الحصول عليه بالقانون فلا مانع من أي طريقة أخرى) والحقيقة أن الطرق الأخرى تنحصر بالضرورة بالنسبة له في الخنوع للمتنفذين وأصحاب الجاه (شيوخ القبائل) مقابل التخلي عن المبادئ والأخلاق، واتخاذ النفاق مطية للحقوق، في حين أن المقولة هي " الحق ينتزع ولا يعطى"  ناهيك عن النفاق من أجل الحقوق. إذا كونك عجزت عن نيل حقك بالطرق المشروعة فهذا لا يبرر لك اتباع طريق آخر غير أخلاقي ويعلي من شأن المفسدين وصناع القرار ، فتراهم وكأن مناصبهم ووظائفهم من ملكهم الخاص يعطون منه أو يمنعون على هواهم – قبحهم الله- في حين أنه لك ولي ولغيرنا من عامة هذا الشعب المنافق، فإلى أي حد سنستمر في النفاق من أجل الحصول على أشياء تخصنا.

استمرار الخنوع للأنظمة المفسدة مثل نظام الجنرال (محمد ولد عبد العزيز) ليس إلا مباركة لبقائكم مكبلين، أما أن تخرجوا في مبادرات لدعمه في حين أنكم غارقون في وحل المآسي والويلات فذلك الغباء بعينه. وأما أن نجعلها دستورا حياتيا يوميا حين نقول (إلِّ ما نافقْ ما يْوافقْ ) فذلك يعني – للأسف الشديد –سباتا اجتماعيا طويلا.

إقرأ أيضا

مجــــــــــــــــــتمع تــــــــــــــحت الصـــــــــــــفر


الاثنين، 28 أبريل 2014

مسيرة الحقوق، لا تحاول حجب الشمس بغربال


أسالت المسيرة المزمع إقامتها الثلاثاء التاسع والعشرين من إبريل والمعروفة اختصارا ب "مسيرة الحقوق" الكثير من الحبر، بين من يراها مشروعة ولها ما يبررها بل هي ضرورية لإقاء الضوء على الكثير من الإختلالات التي تعرفها البنية المجتمعية والسياسية والإقتصادية الموريتانية وبين من يراها مجرد محاولة للّعب على العواطف والسعي لتفريق وحدة وطنية متماسكة "من وجهة نظره طبعا" وبين هذين الرأيين تبقى الصورة ضبابية – من وجهة نظر البعض - وتحتاج لإيضاح شديد.
يتضمن نص الوثيقة الذي صيغ في ال29 إبريل من السنة الماضية أهم النقاط لمن لم يطلع عليها وعليه حين يطلع عليها أن يحكم بالمنطق بعيدا عن العواطف بل بكل حيادية  وتجرد، الشيء الذي نحتاجه بإلحاح شديد، ولنبتعد عن العبارات التي لطالما رددها البعض مثل نحن شعب واحد " انتباه ، هنا لا أعترض على أهمية أن يكون المجتمع الموريتاني مجتمع متحد ومتماسك لكنه ليس الواقع بكل بساطة " بل إن لنا مظهرا خادعا يقنع بعضنا للأسف الشديد ، وتستمر العبارات المبهمة كأن يقول لك أحدهم نحن شعب واع ومتحضر وديمقراطي ومتساوون وهو في قراراة نفسه يدرك خطأ ما ذهب إليه لإنك إن ناقشته تكتشف مباشرة أنه مجرد وعاء فارغ، إذا دعونا نضع النقاط على الحروف ونصرح بالوضعية اللامتزنة التي نعيشها ونحاول أن نجد لها حلولا ما دام الأمر ممكنا، بعيدا عن التخوين والعنصرية ومحاولة حجب الشمس بغربال ، يجب أن نفهم أنه من أجل موريتانيا – هذا إن كنتم تؤمنون بها -  علينا أن نقتنع أن هناك شريحة إسمها " لحراطين" لم تعد راغبة في البقاء على الهامش ، فهذه الدولة للموريتانيين جميعا ومن حقهم (أؤكد على كلمة حقهم ) أن يشرَكوا في تسييرها وعلى كل المستويات ، لكن ليس بطريقة عشوائية تخل بالهدف المنشود (المشاركة) بل عبر سياسة مدروسة الجوانب لكن هدفها هو المشاركة وليس المماطلة.
أستغرب من البعض كلما خرجت مسيرة أو مظاهرة أو أي شيء يصب في خانة الرفض للغبن الإجتماعي والإقتصادي البادي للعيان – إلا من لا يريد أن يراه- أستغرب منه أن يصرخ قائلا " اتركوا الأمور في مجرياتها الطبيعية واستشعروا روح الوطنية " ويبدو أن روح الوطنية لا يتم استشعارها إلا عند الحديث عن الظلم والغبن ويجب أن تترك الأمور لطبيعتها، وهل أوصلنا لما نحن عليه الآن من وحدة وطنية مزيفة إلا تركنا للأمور على حالها الخادع.
نعود للمسيرة والحبر الكثير الذي سال، فتارة نرى البعض يعتبرها استغلالا سياسيا ومحاولة لتحقيق مكسب سياسي، وهنا أقول إن هذه حجة من يريد أن يغيب عقله أو من يريد أن يعطله حتى لا يرى الحقيقة فالمسيرة يشارك فيها كل الفاعلين السياسيين بمختلف توجهاتهم ومن لا توجه له، والشعار المرفوع لها هو " الحقوق السياسية والإجتماعية والإقتصادية للحراطين وليس للحزب كذا أو كذا " وليست مسيرة تحمل شعارا لحزب سياسي يروم من ورائها هدفا خفيا، لذلك أفيقوا من أوهامكم وابحثوا عن الحقيقة "المرة" لكي تتمكنوا من فهم ما يجري بشكل جيد وسليم ، فإن نظرتم بحياد إلى المسيرة فستعرفون أنها ليست على حساب أحد بل هي من أجل موريتانيا متصالحة مع ذاتها و محتضنة لكل أبناءها ، لأن هذا الزمن لم يعد زمن تكميم الأفواه ولا التستر على المآسي مهما كان نوعها، ودعكم من تسييس كل ما لا تستطيعون تقبُّله فذلك ليس في صالحكم البتة، فمسيرة "الحقوق" شيئٌ يجمع ولا يفرق ، شيئ يوحد ولا يدعو للتنافر، مسألة إن نظرتم لها وتفحصتموها بالعقل ستدركون أنها تصب أولا و أخيرا في مصلحة موريتانيا.
بغض النظر عن من يسعى لإفشال المسيرة أو من يريد التشويش عليها ببيانات من هنا وانسحابات من هناك فإن المسيرة ستكون رسالة لكل العقلاء أن موريتانيا تتطور وعليهم التكيف مع ذلك إذا كانوا لا يريدون للتيار أن يجرفهم وهم لا يشعرون ، لإن مثل مواقفهم لم تعد ممكنة لأبسط الأسباب ألا وهو أنها صارت متجاوزة ، وكونك ناضلت في فترات ماضية وسعيت للمساواة فذلك لا ينفي أنك استكنت وركنت إلى الظل خلف ماضي يوشك الحاضر أن يطمسه بكل قوة، فالحياة تسير وليس من حقك أن تصادر آراء الكثير من أبناء هذا الشعب من أجل موقف سياسي أو منصب أو جاه.

مواضيع ذات صلة


إعادة تشكل المجتمع الموريتاني 



الثلاثاء، 30 أبريل 2013

ميثاق من أجل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين.



السفير محمد سعيد ولد همدي

الجمهــورية الإسلامية الموريتانية
شرف - إخاء - عدالة
مــــيـــــــــثــــاق
من أجل الحقوق السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية للحراطين ضمن موريتانيا الموحدة ،العادلة والمتصالحة مع نفسها.
نواكشوط بتاريخ 29 ابريل 2013
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون "  صدق الله العظيم
(I قضية لحراطيـــن:الإقصاء المستمر
على الرغم من مضي أكثر من نصف قرن منالاستقلال ،لا تزال موريتانيا (الدولة المتعددة الأعراق والثقافات بامتياز)تواجه تحد حقيقي متمثل في افتقارها إلى عقد اجتماعيجاد ومؤسس على قاعدة الانتماء المشترك لأمة موحدة.  فواقع وتاريخ البلد يكرسان في جميع مراحلهما ،إقصاء سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ممنهجالشرائح عريضةمن السكان ؛وذلك على أساس الأصول أو التصنيفالاجتماعي. وبالأخص لحراطين ـ المكونة الرئيسية للشعب الموريتاني و التيتزداد أهميتها باضطراد ـ لا يزالون يواجهون ،أكثر من أية فئة سوسيو- أثنية أخرى ،الظلم اليومي وانسداد الأفق وانعدام الفرص ،فضلا عن الممارسات الراسخة للدولة الموريتانية الحديثة والرامية إلى استغلالهم وتقزيم دورهم وإبقائهم في وضعية مهينة كمواطنين من  الدرجة الثانية.                                                                               
 عـلى المستوى الرمزي ،يعد الانتماء للحراطين وصمة عار ،تمثلت في أن  بعض أوساط هذه المكونة  يجدون في أنفسهم حرجا كبيرا في الإقرار بأصولهم،ناهيك عن الاعتزاز أو حتى القبول بها.
لذا فإن كسر الدائرة المفرغة لهذه المكابرة المخضبة بالاحتقار و النظرة الدونية ،والتي أدت إلى واقع منالغبن الممنهـج ،لن يتأتى إلا عبر إعادة تأسيس الجمهورية على قاعدة التقاســم الحقيقي للسلطة والثروة بين كافة أبناء البلد ؛وهو مطلب بات يفرض نفسه أكثر من أي وقت مضى باعتباره السبيل الوحيد للخلاص من هذا الحيف المستديم الناتج عن تاريخ مريرممتد على مدى قرون ،لكنه ما يزال شاخصا أمام أعيننا حتى اليوم.
في واقع الحياة اليومية ،نلتمسالمظاهر الجلية لتهميش لحراطين بشكل بديهي ومنتظم. ولا يقتصر الأمر على الحريات الفردية والاكتفاء الذاتي الجماعي فحسب ،بل يتعداهما إلى القصور الحاصل في الولوج إلي ميادين التعليم والخدمات الاجتماعية الأساسية الأخرى وبالأخص حين يتعلق الأمر بالثروات الوطنية والحضور داخل هرم السلطة السياسية و الادارية.
وتظل الحالة العامة لهذه المكونة موسومة بالاستعباد ومخلفاته المتمثلة في التهميش والفقر المدقع ،في ظل عدم الاهتمام واللامبالاة من لدن السلطات العمومية.
 فممارسة الاسترقاق ما تزال حقيقة ثابتة في موريتانيا ما بعد الاستعمار و حتى يومنا هذا، بالرغم من النفي الرسمي وشبه الرسمي للظاهرة. وعلى الرغم من صدور قانون تحريم العبودية سنة 1981 ،و الذي لم يغير شيء في الواقع المعاش للحراطين ،واصلت الأنظمة السياسية المتعاقبة في البلد تبنيها لمواقف ملتبسة ،تتأرجح بين الإنكار والتحرج أحيانا ،والتهرب واللامبالاة أحايين أخرى ،قبل أن توافقالحكومة الموريتانيةفي سنة 2007 ،بشكل متخاذل وينقصه الصدق ،على سن قانون يجرم الممارسات الإستــرقاقيـة.       
فعلى الرغم من النواقص الجمة في هذا النص القانوني ،إلا أنه يذكر له تجريم الظاهرة نظريا ،دون أن يكون لذلك التجريم أي أثر  تطبيقي فعلي على أرض الواقع لانعدام جدية السلطات في تطبيقه. ولا أدل على ذلك من كثرة الشجار والمشادات الكلامية التي حصلت في كافة الجلسات بين اللجنة الوزارية المكلفة بشرحهمن جهة ،وهيئات المجتمع المدني من جهة أخرى.       
 وبالموازاة مع هذا التطور المحتشم ،ترسخت أشكال جديدة من هدر الكرامة والاستعباد الحديث. لقد تزايدت مجموعات لحراطين المحشورين في جيوب الفقر المدقع :سكن غير لائق بداخل أعرشة بائسة ،مركونة إلى جانب الأحياء الراقية بنواكشوط حيث يتكدسون على بعضهم البعض في حالة من الاكتظاظ والاختلاط غير اللائقين. وعلى مستوى الحواضر الكبرى ،يعيش معظم أفراد هذه الشريحة داخل "الكبات" )أحياء الصفيح(والأحياء الفقيرة التي يشكلون جل سكانها.   أما أولئك الباقون في الأرياف على مرمى حجر من أسيادهم القدامى ،فيعيشون بالبادية في أماكن معزولة )آدوابه(تحت رحمة الفقر والبطالة والجهل ،ويقع جلهم ضحية لمغريات الانحراف عند قدومهم إلى المدن.
على المستوى الديمغرافي ،يمثللحراطين ما يناهز 50%من مجموع سكان البلد ،ومع ذلك لا يزالون الفئة الأكثر تهميشا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
إن هذه المذلة الفريدة ،الناتجة عن مصيبة الاسترقاق على مدى قرون ،تستمد ماء حياتها من إرادة نظام مولود من رحم الظلم و يتخذ من اللامساواة سلاحه النافذ في صراعه  من أجل البقاء.  
هذا الظلم المتوارث عنعادات وتقاليد اجتماعية باليةومتخلفة ،يكرس التفاوت الاجتماعي والطبقي على أساس الولادة والأصل. وقد ظل ساري المفعول في كنف الدولة الموريتانيه الحديثة  بإرادة من الأنظمة السياسية المتتالية التي أوجدت هيكلة لإدامة انعدام تكافؤ الفرص بإعادة إنتاج العقلية الهرمية  للقبيلة و إحلالها محل المنطق الديمقراطي المفترض للدولة الحديثة.
وهكذا ،وعلى مدى عقود من الزمن ،استخدم سلاح التجهيل والتهميش الاقتصادي على أوسع نطاق وبلا حدود ضد هذه المكونة  من المجتمع مما أدى إلي تقزيم  دورها واقتصار جل أعمال أفرادها على الحرف المتدنية الأجـر في المدن و الأرياف.
وفي الواقع المعاش ،يجـري حـرمان أطفــال لحراطين بشكل لافت من الحصول على التعليم الـلائق ؛ويتم هدر الطفولة الصغرى في القيام بالأعمال غير المناسبة لأعمارهم ،مما يشكل دليلا دامغا على ظلم السلطات العمومية في أبشع تجلياته : ألا وهو انعدام العدالة في إتاحة فرص متكافئة  لتعليم الأطفال في الوقت الذي يفرض الواقع خيارات عكسية تماما.
وفضلا عن ذلك ،فالغياب الملاحظ للحراطين من أسلاك التوظيف بالقطاعين العمومي وشبه العمومي ،ناتج عن السياسات المعتمدة من طرف الدولة الموريتانية التي هي ريع خاص وحصري لعصابات الفساد المميزة من ناحية تكوينها الاجتماعي ،والواقعة تحت تأثير الضغط الناتج عن سيل منهمر من الطلبات الملحة للتحالف القبلي -العسكري الممسك بتلابيب السلطة.
وللأسف ،تنتهج الممثليات الدولية في موريتانيا )     (PNUD, UNICEF, OMS, UE نفس النهج الإقصائي تجاه لحراطين حيث لا تكاد توظف أي كادر أو حتى عامل بسيط من هذه الشريحة ؛ينضاف إلى ذلك الدور السلبي الذي لعبه المستعمر في إدامة ظاهرة الاستعباد واستمرارية النظام الإقطاعي القائم.
   لذا ستبوء كافة محاولات الإنعتاق بالفشل ،مادام يغض الطرف عن التخريب المتعمد للتعليم العمومي ويسد الباب أمام أية فرصة للنجاح الاقتصادي الذي هو أساس الرقي الاجتماعي.
 فخلال الثلاثين سنة الماضية ،وبفعل الرشوة والتحايل ونهب الأموال العمومية ومنح أفضلالعقارات السكنية مع احتكار شبه كامل لامتلاك الأراضي الزراعية ورخص الصيد البحري ،بالإضافة إلى تسخيرعقود وقروض المحاباة من طرف البنوك ومؤسسات الدولة لجهات بعينها ،تشكلت ثروة وطنية خاصة  وحصرية لصالح السادة القدامى دون غيره ،عن طريق استغلال الوظيفة الإدارية والسياسية الضامنة للإفلات من العقاب. وفي الوقت نفسه ،تم إهمال وتجاهل تجمعات كاملة من لحراطين داخل "آدوابه" و"الكبات" وتغييب مئات الآلاف من الأجيال المتتالية من هذه الشريحة  خارج الزمان ،في غياهب الثقوب السوداء للتجهيل والجور الغاشم.
هذه الحالة ليست وليدة الصدفة ،لكنها ثمرة للخيارات المقصودة والواعية  لقادة الأمس واليوم الذين يعجز جلهم عن إدراك معنى المشروع الوطني للأمة ،أي  المصلحة العليا للبلد ؛إذ لا يبدو أن لمعظمهم من طموح ،سوى المحافظة على القاعدة الجامدة القاضية بإعادة إنتاج امتيازات ماض ولى زمانه إلى غير رجعة.
وكنتيجة لتراكمالاحتقانات ،يطفو على السطح التمايز المتسارع للنسيج الاجتماعي لما كان يعرف سابقا  بـ"مجتمع البيظان"، والذي أصبح كيانين قائمين بذاتيهما )البيظان من جهة  ولحراطين من جهة أخرى(.  ويجد هذا التمايز مبرراته في سياق القنبلة الموقوتة المسماة "الظلم" والتي  يعلمنا التاريخ أنها تنفجر دوما بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار.
 وبناء على معاينة هذا الواقع المزري وغير المشرف للجميع ،يجب على النظام العسكري - الإقطاعي الذي يُفرِط في استخدام كافة الوسائل  من أجل إدامة سيطرة لم تعد ممكنة ،أن يعي - اليوم قبل الغد - أن ضحاياه الصامتين والمحتسبين حتى الآن ،لم يعد بإمكانهم تحمل أكثر مما كان ،وقد سئموا الصبر أللامتناهيعلى آلام سببتها أنظمة غير مسؤولة ،لا تقيم وزنا لشيء ولا تؤمن إلا بقانون الغاب.
وعلى الرغم من محورية الجدل المتصاعد  حول هذه المسألة الحيوية بالنسبة لمستقبل موريتانيا والمكتسبات الرمزية للحراك الوطني المناهض للاسترقاق ،فإن الظروف المعيشية للحراطين ـ التي تواصل انحدارا غير مسبوق ـ   تنذر بقرع أجراس نهاية النظام  الجائر وغير القابل للإصلاح ؛مما قد يؤدي ،لا قدر الله ،إلى تفجير الأوضاعمن الداخل  في وقت ما...
إن الهدف من هذه الوثيقة هو تقييم الوضع بعد مرور أكثر من نصف قرن على استقلال البلاد، كما تتجرأ على تقديم مقترحات بغية إصلاح ما أمكنفي أقرب الآجال على قاعدة المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان و حقوق المواطن ،من أجل المحافظة على السلم الاجتماعي عن طريق أوحد متمثل في نشر العدالة بين عامة الشعب. ولا يغيب عن وعي محرري هذه الوثيقة وجود أشكال أخرى من الظلم و الجور ،تتعرض لها فئاتوقطاعات واسعة من شعبنا كالفقراء ،مهما كانت أصولهم ،والطبقات المسحوقة في المجتمع ـو بالأخص فئة "لمعلمين" ـو بعض مكونات شريحة زنوج موريتانيا والنساء...الخ.
 إننا على قناعة تامة بعدم إمكانية تصور حل شامل "لقضية لحراطين" إلا في إطار مجهود شامل على درب المساواة والإنصاف المنطقي ووضع حد للإفلات من العقاب وللامتيازات القبلية التي لا تفيد إلا ثلة قليلة على حساب المصلحة الجمْعَـوية  وحتى القبلية.           
 (IIالحالة العامة:من أغلال العبودية إلي أقفاص التهميش
إن التقييم السابق واللاحق لوضعية لحراطين ،يرسم لوحة قاتمة ،بادية عليها علامات التلف بفعل الاستعباد والتهميش والظلم . وقد نخر السوس هذا الجسم الهزيل تحت وطأة القبضة الحديديةلنظام غارق في الرجعية ،غير قابل للمراجعة والنقد الذاتي ؛وبالتالي عصي على كافة أشكال المراجعات الداخلية.
وبعيدا عن الخطابات الإيديولوجية أو المتحيزة ،فإن نظرة سريعة إلي بعض الأرقام والمؤشرات  تعطينا مقياسا دقيقا وموضوعيا لهذه الحقيقة المحزنة:
v    عشرات الآلاف ،إن لم تكن مئات الآلاف من لحراطين  (التقديرات غير دقيقة في ظل غياب دراسات مستقلة  دأبت الحكومات المتعاقبة على رفضها) يرزحون تحت نير العبودية المقيتة المفروضة عليهم بحكم الولادة وبحكم الحالة الاجتماعية و الظروف المعيشية ،مع ما يلازم ذلك من تبعية وارتهان ومعاملات غير إنسانية ومهينة كالعمل القسري غير المعوض ،الاغتصاب والاستغلال الجنسي ،الفـُـرقة الأسرية ،الجهل ،الفقر، البؤس الاجتماعي والاقتصادي وانسداد  الأفق ...الخ.
v    أكثر من 80% من أصل 1.400.000 من الموريتانيين تحت خط الفقر ينتمون لشريحة لحراطين؛
v    أكثر من 85% من أصل 1.500.000 أمي في موريتانيا هم حراطين؛
v    ما يناهز 90% من المزارعين الصغار الذين لا يتوفرون على أرض نتيجة المنح التقليدي أو الاستغلال الإقطاعي والإسترقاقي لها ،هم من شريحة لحراطين؛
v    أقل من 10% من 30.000 هكتار الممنوحة قانونا والمستصلحة في ضفة النهر ،تم منحها لصغار المزارعين المحليين والباقي استحوذ عليه العشرات من الموظفين والتجار ورجال الأعمال المنحدرين في أغلبهم من ولايات غيـر زراعية؛
v    تتراوح مساحة القطعة الأرضية  الممنوحة للمزارع المحلي بين 0,25و 50,هكتار بينما متوسط تلك الممنوحة للموظف أو رجل الأعمال هي 200 هكتار؛
v    اقل من10%من 2 إلي 3 مليار أوقية من القروض الممنوحة سنويا من طرف القرض الزراعي لتمويل الحملة الزراعية هي الحصة المخصصة لآلاف المزارعين المحليين )أغلبيتهم من لحراطين(مقابل أكثر من 90% للعشرات من رجال أعمال الميدان الزراعي )المفترضين في غالبيتهم(والمنحدرين في معظمهم من أوساط ومناطق لا علاقة لها بأي ممارسة أو تقليد زراعي؛
v    أقل من 0,1% من الفيلات والمنازل الفاخرة بالأحياء الراقية في نواكشوط ،يمتلكها حراطين؛
v    أقل من عشرة حراطين حملة الشهادات من أصل 200، استفادوا من البرنامج الخاص لدمج حملة الشهادات على مستوى سهل"أمبورييه" بروصو؛
v    أكثر من 90% من الحمالين وخدم المنازل والعمال اليدويين الممتهنين لأعمال شاقة ومتدنية الأجر ،هم من شريحة لحراطين؛
v    أكثر من 80 % من التلاميذ المنحدرين من هذه الشريحة لا يكملون السلك الابتدائي وأقل من 5% منهم يكملون التعليم الثانوي؛
v    أقل من 5% من طلبة التعليم العالي هم من شريحة لحراطين وأقلية قليلة من هذه النسبة تتلقى منحا أو مخصصات للدراسة؛
v    اقل من 2% من طلبة المدارس الوطنية الكبرى )المدرسة الوطنية للإدارة - مدرسة المعادن- كلية الطب- المدرسة العسكرية لمختلف الأسلحة(ينتمون لشريحة لحراطين والحال نفسه بالنسبة للمدارس العليا الأجنبية؛
v    اقل من 10,% من الفاعلين الاقتصاديين)نساء ورجال الأعمال الكبار(ينحدرون من هذه الشريحة؛
v    اقل من 2% من الموظفين السامين في القطاعين العمومي وشبه العمومي ينتمون لشريحة لحراطين؛
v    على مستوى غرفتي البرلمان لا يوجد سوى أقل من عشرة برلمانيين حراطين من أصل 151  منتخب علىمستوى هاتين الغرفتين؛
v    أقل من 15 عمدة من مجموع 216 وأقل من %12 من المستشارين البلديينعلى المستوى الوطني؛
v    متوسط وزيران في الحكومات الموريتانية المتعاقبة خلال آخر 30 سنة والتي ضمت40 وزيرا أو ما يعادله ؛20 وزيرا من أصل 600 وزير منذ  1957 و حتى 2013؛
v    فقيه واحد معتمد مقابل المئات من الفقهاء المعتمدين؛
v    عشرات الأئمة من لحراطين مقابل الآلاف من الأئمة المعترف بهم والمعتمدين رسميا؛ 
v    2 أمينان عامان لوزارات أو مؤسسات مشابهة مقابل 40؛
v    1 والي من أصل 13؛
v     1 إلي 2 حاكم من أصل 55؛
v    1 إلي 2 رئيس بعثة دبلوماسية من أصل 35؛

v    3 إلي 4 مدراء عامين لمؤسسات أو شركات عمومية من أصل140 ؛
v    2 رئيسان لمجلس إدارة لمؤسسات عمومية من أصل140 ؛
v    أقل من50طبيبا من أصل يزيد على  600 ؛
v    ما يناهز 100 مهندس من أصل يزيد على 700 ، و مع ذلك أقل من 2%  من المهندسين العاملين في الشركات أو المؤسسات الوطنية الكبرى ) سنيم ،ميناء نواكشوط المستقل ،صوملك ...الخ.)  هم من شريحة لحراطين؛
v    أكثر من 90%من حملة الشهادات العليا المنتمين إلى شريحة لحراطين والمترشحين للمسابقات الوطنية ،يتم إقصاؤهم في المراحل النهائية عن طريق المقابلات الشفهية؛
v     ترغم الغالبية العظمى من لحراطين حاملي الشهادات على الهجرة أو التغيير الوظيفي أو مزاولة المهن المتدنية الأجر والمتعبة  )معلم ، مرشد سياحي ،العمل المؤقت ...الخ).
v    صفر رئيس أو مدير بنك أو شركة تأمين أو شركة مالية أو إذاعة أو تلفزة من ضمن العشرات من المؤسسات التي لها نفس الطبيعة؛
v    اقل من 20 أستاذ جامعي من أصل يناهز 300؛
v    6قضاة منأصل  يزيد على 200؛
v    أقل من 10 مفوضي شرطة من أصل يزيد 140 ؛
v    أقل من 10 دبلوماسيين مقابل ما يزيد على 150 ؛
v    10 إداريين مدنيين من أصل يزيد على 200؛
v    أقل من 40 ضابط سامي من أصل يزيد على 500 ؛ ويمثل الحرس الوطني مثالا للتمييز الانتقائي ضد أبناء هذه الشريحة والمتمثل في ضآلة ضباط لحراطين من مختلف الرتب داخل هذا الصنف من السلاح؛  
v    لا يوجد غير حرطاني واحد ـ وهو طبيب بالمناسبة ـ بالكاد تمت ترقيته لرتبة جنرال منذ أقل من شهر ،ليكون الوحيد  من هذه الشريحة  الذي ينال هذا الشرف من ضمن  19 جنــرالا الذين عرفتهم موريتانيا أو ستعرفهم قبل نهاية هذه السنة.
تجسد هذه اللوحة بما فيه الكفاية حالة الإقصاء والمعاناة المتجسدة في مختلف أشكال النبذ الاجتماعي والتمييز الإداري والتهميش الاقتصادي والسياسي ،زيادة على العقبات التي كثيرا ما توضع لإعاقة ترقية أبناء هذه المكونة الاجتماعية. فالكوادر النوادر المنتمين لهذه الشريحة والذين استطاعوا الارتقاء إلى مستوى النخبة الوطنية،سيجدون أنفسهم عاجلا أم آجلا  أمام سقف مسقوف يمنع تصدرهم للدوائر العليا في الدولةاللهم إلا إذا كانوا،في حقيقة أمرهم،أداة طيعة في أيادي بعض المتنفذين في النظام.
و في هذا الإطار ،فإن نظام التصفية وإعاقة الترقية المعتمد على مستوى القوات المسلحة وقوات الأمن من أجل تخفيض حضور ضباط لحراطين إلى أدنى المستويات في هاتين المؤسستين ،يكرس الطبيعة "الخصوصية" والرجعية التي تطبع توجهات المستويات العليا للقوات المسلحة التي فرضت نفسها كحارس وسيد لصرح السلطةفي آن واحد.   
فمنذ سنوات خلت ،لم يعد اكتتاب الطلبة الضباط خاضعا لمعايير الانتقاء الموضوعية إلا من الناحية الشكلية. و بغض النظر عن الضبابية التي تلف مسابقات الاكتتاب ،فإن الكثير من مستجدي المدرسة العسكرية لمختلف الأسلحة لا يتوفرون على شهادة الثانوية العامة "الباكلوريا" التي هي أدنى شهادة يسمح لصاحبها بالمشاركة في مثل هذه المسابقات. وبدل الاختيار الشفاف والمبني على معايير موضوعية ،تم اعتماد نظام المحسوبية والقبلية والزبونية وكافة أشكال الخصوصية التي تمكن من الدفع بأكبر عدد ممكن من الذرية الفاشلة لأركان النظام ومقربيهم إلى صفوف ضباط الجيش وقوات الأمن من ناحية ،ومن ناحية أخرى إزاحة أكبر عدد ممكن من المتطلعين إلى رتبة ضابط من المكونات الوطنية الأخرى ،وبالأخص مكونة لحراطين. إن هذه الحقيقة المرة تقض مضجع كل من يعيشها بشكل يومي. إنها  تشعر الكثير من المواطنين بالمساس بكرامتهم وتفقأ العيون بمجرد متابعة النقل التلفزيوني لحفل التخرج السنوي لدفعات  الضباط من المدرسة العسكرية لمختلف الأسلحة...
      في نهاية هذا النسق المشيد على الأسس الأنفة الذكر،يتم التحكم فيالمسار المهني للضباط بسلسلة من الإجراءات غير المناسبة في محيط يخيم عليه الظلم بحيث تدور الدوائر المفرغة لعملية تهميش مبرمجة.       
فتقييد الترقية وإعاقة تقدم بعض الضباط غير المرغوب فيهم تم استخدامه كسلاح نافذ وموجه بالأساس ضد الضباط من شريحة الزنوج الموريتانيين منذ المحاولة الانقلابية لحركة "أفلام" سنة 1987 و بشكل شبه معلن. وبعد أن أتت هذه المكيدة أكلها مع مطلع التسعينيات ،تمت إعادة توجيه هذا السلاح ،بشكل ماكر وخفي ،صوب ضباط لحراطين.       
                 وترجع أسباب هذه "المراجعه الإستراتيجية " التافهةإلى تقديرات بعض العقول المتخلفة التي رأت فجأة في صعود الجيل الجديد من لحراطين تهديدا رئيسيا لدوام استئثارهم بالسلطة. هذه القناة التي تصفي و تمرر مشيئة "القيادة العليا " أفضت بدورها إلى الكثير من الملابسات الخسيسة الرامية كلها إلى تقليص الحصص المسموح بها في كل مناسبة إلى حدودها الدنيا.  وكمحصلة ونتيجة لهذا التآمر المكشوف ،فالكثير من الضباط السامين اليوم ذوي مستويات جد متدنية ولم ينالوا رتبهم غير المستحقة إلا عن طريق الظلم الذي بموجبه أحيل إلى التقاعد المبكر مجموعة من خيرة الضباط وأكفئهم ـ و أغلبهم حراطين ـ عند رتبة نقيب.
             إن القوات المسلحة وقوات الأمن ليستا إلا أنموذجا للممارسات والمسلكيات التي هي دين وديدن لدى الدوائر العليا للدولة الموريتانية. و لم يقتصر الأمر على هذا الحد ،بل تجاوزه إلى التسريبات وتفشي أسرار اجتماعات "خلايا التفكير " المكلفة خصيصا بالتخطيط لتهميش لحراطين ،تنضاف إلى ذلك المواقف المعبرة أكثر من أي كلام والعبارات وزلات اللسان الفظة التي تنم عن عنصرية دفينة.
 كل هذه العناصر مجتمعة تؤكد لنا واقع موريتانيا الغريبة الأطوار ،الغامضة والمخادعة والبعيدة كل البعد عن الصورة التي تريد عكسها للخارج عن نفسها.
 ولا تمثل هذه الحقائق سوى غيض من فيض من  الأحداث والممارسات التي تعكس وتكرس واقع الدولة العرجاء...  
ويجدر بالذكر أن هذه الأوضاع تفاقمت خلال الثلاثين سنة الأخيرة التي تميزت بإفساد التعليم مع ظهور وتنامي نعرات إقصائية تمكنت من التحكم في مفاصل الدولة.
وإذا كان من المفهوم أن يخضع الولوج إلي الأسلاك العليا للدولة (أطباء ،مهندسين ،قضاة ،إداريين ...الخ.)  لمعايير أكاديمية ،فإنه يصعب القبول بالإجحاف الحاصل فـي الوظائف ذات الطابع السياسي أو حتى الإداري والتي يهمش فيها لحراطين بصفة أنكى وأشد.
وللتأكيد على ذلك، نأخذ عينة عشوائية من 140مدير أو رئيس مؤسسة عمومية أو شبه عمومية ،وستجدون أن جلهم ليست لهم من كفاءات أو أحقية في تلك المناصب سوى تفاهمات قبلية أو انتماؤهم لعصابات مافيوية تحتكر مقدرات البلد على حساب المصلحة العليا للوطن والعدالة والوئام والوحدة الوطنية.
ومن المفارقات أن هذه الشريحة ممثلة بما يناهز الــ10 برلمانييـن  من أصل151في نفس الوقت الذي يردد فيه الخطاب الرسمي على مسامعنا أن البرلمان هو تمثيل صادق للشعب ؛وفي حين أن شريحة لحراطين تمثل أغلبية ـ إما مطلقة أو نسبية ـ في كافة الدوائر الانتخابية (المقاطعات) التي يمثلها النواب والشيوخ.
ومن مظاهر الظلم الصارخ كذلك ،حالة الحكومة التي أقصت ممثلي هذه الشريحة حتى شهر دجمبر 1984 ،ومنذ ذلك الحين حددت الأنظمة المتعاقبة نسبة 2 إلى 3 مناصب حكومية لهذه الشريحة من أصــل 40 وزيرا أو وظيفة نظيرة له.
 فالفوارق صارخة...
والحالة هذه ،فان موريتانيا باتت الدولة الوحيدة في العالم التي اخترعت التمييز السلبي المعتمد على تحديد نسبة ثابتة وموغلة في الظلم للفئات المحرومة ،بينما يفترض في هذه الحالة اتباع منطقمغاير تماما يعتمد على التمييز الإيجابي...
ومع ذلك فإن الحالة الأكثر تكريسا لإقصاء لحراطين هي حالة المزارعين الصغار الذين لا يمتلكون أرضا والخاضعين لاستغلال الإقطاع والاستعباد المعتمد على تزوير قانون الإصلاح الزراعي لسنة 1983 من طرف السلطات الإدارية والقضاة باسم التضامن الطبقي ،وفي بعض الأحيان التضامن العرقي  الملفوف في عباءة الشرعية الجمهورية أحيانا ،أو تحت غطاء الفتاوي الدينية أحايين أخرى.
ومن أكثر الأمور مدعاة لعدم الاطمئنان ،فشل التعليم العمومي الذي كان يعول عليه في السابق كرافعة أساسية لترقية الأفراد وتذويب الفوارق الاجتماعية وصولا إلى المساواة الحقيقية. يجمع الكل اليوم على أن المدرسة العمومية لم يعد بإمكانها التغيير في عمق  الروابط الاجتماعية ولا تكوين مواطنين مثقفين صالحين للاندماج في موريتانيا جديدة عادلة وموحدة.
ونتج عن هذا الفشل المدوي مدرسة بمعيارين : مدرسة خصوصية للطبقات الوسطى والعليا  ومدرسة عمومية لأبناء الطبقات المحرومة والشعبية التي يشكل لحراطين غالبيتها العظمى.
وهكذا أصبحت المدرسة تؤدي رسالة معاكسة تماما لرسالتها النبيلة والأصلية ؛أي أنها بدل أن تكون وسيلة للترقية الاجتماعية وإزالة الفوارق ،أمست وسيلة لإعادة إنتاج الواقع الاجتماعي الظالم وتكريس الفوارق الطبقية القائمة ،بل وتعميقها حتى.
إن حالة الاسترقاق المستديمة ،وفشل النظام التربوي الذي نتج عنه فشل تعليمي مريع لأبناء هــذه الشريحة ،ومعاناة ساكنة الريف ،من مزارعين ورعاة  وعمال يدويين ،والإقصاء السياسي والاقتصادي ،والتهميش الممنهج للطليعة الناشئة ؛كل هذه العوامل مجتمعة جعلت من الضرورات المستعجلةاستنهاض الهمم وصولا إلى وثبة وطنية كبرى ،مدعومة بإجماع وطني واسع ،اجتماعيا وسياسيا ،من أجل إعادة تأسيس الجمهورية وبناء مشروع الصرح الوحدوي المشترك ،خدمة لأهداف التقدم والتنمية الاجتماعية.
لقد آن الأوان لإجراء حوار وطني شامل حول مسألة لحراطين من أجل التشخيص الدقيق والمتكامل لأشكال الاستعباد كمؤسسة وكحالة معيشة وكممارسة ؛وبعد ذلك جرد أشكال التهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي للحراطين في كافة دوائر الحياة الوطنية ؛وفي النهاية اقتراح استراتيجيات لمقاومة هذا الإقصاء المستمر ووضع السياسات والوسائل العملية الملائمة والناجعة من أجل وضع حد لهذا السباق الحثيث  نحو حافة الهاوية.
(IIIمقترحات من أجل إعادة تأسيس الجمهورية:من التهميش المبرمج إلى المساواة الحقيقية
إن التشخيص الأنف الذكر يقودنا إلى صياغة مقترحات وتوصيات في مختلف المجالات من أجل تصحيح التوازنات المختلة ورفع الظلم وتذويب الفوارق.
يمكن أن تشكل المقترحات التالية أساسا لإستراتيجية المناصرة والعمل من أجل وضع سياسات عمومية وبرامج محو وإزالة العبودية وآثارها وترقية شريحة لحراطين. وبالمناسبة ،يجب تنظيم حوار شامل في القريب العاجل ،تشرك فيه كافة وسائل الإعلام والخبراء والشخصيات المرجعية الوطنية والعلماء والفقهاء ،بغية إثراء المقترحات التالية وبثها في كافة أوساط المجتمع.
وبعد إثرائها واعتمادها ،ستشكل نتائج ومقترحات هذا الحوار قاعدة لخطة عمل حكومي هادفة إلى مقاومة كافة أشكال التمييز وعدم المساواة من اجل الوصول لاحقا إلى المساواة الحقيقية بين كافة المواطنين ومكونات المجتمع وخاصة شريحة لحراطين التي تشهد تخلفا لافتا عن ركب باقي فئات المجتمع.
إن مقاربة التمييز الايجابي التي نادت بها عدة أصوات وطنية ،يجب أن تعتمد دون تأخير.
المقترحات العملية هي كالتالي:
1.   مباشرة تشاور وطني موسع وفي أقرب الآجال ،من اجل إنجاز عقد اجتماعي حقيقي  مبني على قاعدة الانتماء المشترك  لأمة موحدة على أسس ضمان الحرية لكافة المواطنين والمساواة الفعلية فيما بينهم؛
2.   اتخاذ إجراءات عاجلة وفورية لصالح المحرومين والمهمشين في البلد ،ثممباشرة التحضير لعقد مؤتمر وطني حول العدالة الاجتماعية المبنية على الحقوق الاجتماعية والاقتصاديةوالثقافية  للمواطن  في دولة القانون؛
3.   إنشاء مناطق مختارة للتعليم في المناطق الأكثر فقرا (آدوابة) مع كافة الامتيازات المرتبطة بهذه الحالة من جودة التعليم ،ومن تأطير ومتابعة تربوية ،ومن بنى تحتية ووسائل مالية مناسبة ،ومن تقييم وتحفيز للمدرسين وللتلاميذ ولذويهم ،ومن إنشاء للكفالات المدرسية ،وإعطاء الأولوية لهؤلاء التلاميذ في الحصول على منح في مجالات التعليم المهني والعالي... إلى غير ذلك من الحوافز ووسائل التشجيع الأخرى بما في ذلك ضرورة التأكيد على اعتبار البعد الاجتماعي في دور المدرسة يكمن في صهر المجتمع... الخ.
4.    وضع خطة لمحو الأمية في البلد خلال فترة لا تتجاوز العشر سنوات مع التكفل بحق التمدرس للأطفال والمراهقينحتى سن  18 سنة مع تأمين فرصة ثانية للدراسة للحد من التسرب المدرسي؛
5.   القيام بإصلاح زراعي حقيقي وعلى نطاق واسع منفذ حسب المبادئ المعروفة : إعادة التوزيع العادل والفردي للأرض حسب مبدأ "الأرض لمن أحياها" مع التأمين القانوني للملكية وتحصينها ببنود خاصة ،وتحديث وسائل الإنتاج وزيادة الاستثمار المنتج مع وضع آليات ضامنة لتسويق ومردودية  المنتجات الزراعية...الخ.
كما يجب إدماج بعد حقوق الإنسان في كافة البرامج الهادفة إلى محاربة الأسباب العميقة للاستعباد والفقر. وفي نفس السياق ،تشكل خلاصات وتوصيات التقارير المختلفة لمجلس حقوق الإنسان للجمعية العامة للأمم المتحدة ـ و بالأخص التقرير الأخير للمقررة الخاصة حول الأشكال الحديثة للعبودية في موريتانيا ،السيدة غولنارا شاهينيان، الصادر بتاريخ 24 أغسطس 2010 ـ تشكل مساهمة ثمينة في محو الأشكال الحديثة للاستعباد وتخفيف الفقر.     
6.   التطبيق الفعلي للقانون المجرم للعبودية والممارسات المصاحبة له ،وذلك بعد مراجعته واستكماله بحيث يخول للمنظمات الحقوقية دور مؤازرة الأرقاء والشكوى نيابة عنهم باعتبارهم ناقصي الإرادة بحكم الاسترقاق والجهل مع مراجعة وتفعيل بعض الإجراءات  بإنشاء هيئة عمومية مكلفة بهذا الملف وبكافة السياسات العمومية الهادفة إلى تحقيق المساواة الفعلية مع تركيز جهودها على كشف مكامن الاسترقاق وعتق المستعبدين وإعادة تأهيلهم.
7.   إنشاء صندوق لتمويل كافة الأعمال المتعلقة بهذا المشروع ،ونشر تقرير سنوي عن حالة تطبيق هذا القانون ،مع تنظيم نقاش علني حول محتويات هذا التقرير ونشره في كافة وسائل الاعلام. إن هذا العمل الثلاثي الأبعاد يستهدف الكشف عن حقيقة الاستعباد وتحديد إطار عمل للقضاء عليه وعلى مخلفاته ،واعتماد سياسة قمعية صارمة ،وتصعيد أعمال مناهضة الإفلات من العقاب عن طريق إجراءات تحقيق ومقاضاة سليمة وتوقيف ومعاقبة المخالفين؛
8.   الشروع بدراسة جدوائية تمديد نظام التأمين الاجتماعي ليتحول شيئا فشيئا إلى نظام تأمين صحي شامل يأخذ في الحسبان الحالة الراهنة للبلد والمتميزة بوجود أكثر من 80% من الموريتانيين بدون تأمين اجتماعي. وترتفع هذه النسبة لتشمل 100% من الفقراء وعمال القطاع غير المصنف الذين لا يتوفر جلهم على الوسائل المادية لتغطية نفقاته الصحية؛
9.   مراجعة قواعد تقسيم السلطة من أجل إعطاء لحراطين نصيبا  من الوظائف العمومية  لا يقل عن 40%(بصفة علنية أو بدونها) على مستوى المؤسسات الدستورية والحكومة والإدارة والمؤسسات العمومية والمناصب السامية في الدولة (ديوان الرئيس والوزراء ،الادارة المركزية والإقليمية ،البعثات الدبلوماسية ،مشاريع التنمية ،المؤسسات الهامة في الدولة...الخ. ) ؛
10.                      وضع قاعدة تمنع شغل المنصبين التنفيذيين الأعلى في الدولة (الرئيس والوزير الأول) من طرف شخصيتين من نفس الإثنية  من أجل تشجيع تقاسم السلطة؛
11.                      الحث والتشجيع الدائم على الضرورة الملحة لحضور نائب برلماني من شريحة لحراطين على الأقل ضمن النصف الأول من اللوائح  الانتخابية في كافة الدوائر التي تتوفر على تمثيل برلماني من نائبين فما فوق ،وذلك كنتيجة منطقية للأغلبية المطلقة أو النسبية لهذه الشريحة في كافة مقاطعات البلد.

12.                      دراسة صيغ مختلفة من أجل وضع تشريع مؤسس على التمييز الإيجابي في بعض الميادين (الولوج إلى المؤسسات ومنح التعليم ،التمويل العمومي والاستثمار والولوج إلى الوظائف العمومية والمأموريات الانتخابية...الخ). وذلك على ضوء التجارب الناجحة في الدول التي واجهت تحديات مماثلة (الولايات المتحدة ألأمريكية ،جنوب إفريقيا ،الهند ،البرازيل ،ابريطانيا العظمى ... الخ).
13.                      وضع سياسات مدعومة بمكانيزمات مؤسسية وقانونية ومالية من أجل تحقيق الأهداف المتعلقة بالمساواة الحقيقية في كافة الميادين ومحاربة الفقر وتأمين متابعة عن طريق آليات تقييم ومؤشرات عددية تحت إشراف البرلمان ومنظمات المجتمع المدني ،مع ضمان الوصول إلى الفئات الأكثر تهميشا في المناطق النائية والمعزولة .
14.                      تشجيع بروز طبقة جديدة من الفاعلين الاقتصاديين والصناعيين المنحدرين من هذه الشريحة ،وذلك عن طريق تسهيل إنشاء مؤسسات مصرفية ومالية وتصريحات للصيد وقروض وتمويلات لإنشاء شركات ومصانع في المجالات الواعدة في سبيل  الحد من التهميش المستمر في مجالات الاقتصاد والأعمال حيث يغيب لحراطين ؛مما يشكل أقوى المؤشرات الثابتة والدالة على غبنهم المستديم ،علما بأن الأموال الضخمة التي تكدست خلال السنوات الماضية ،و ما زالت تتكدس في جيوب الأغنياء الجدد ،عائدة كلها إلى مصدر وحيد : ألا و هو المال العمومي المسخر لخدمة البعض بطرق أقل ما يقال عنها أنها ناقصة الشفافية والموضوعية.
15.                      تشجيع ولوج لحراطين إلى المأموريات الانتخابية ،وإلى المناصب الإدارية العليا في الدولة ،ووضع حد للتمييز الفاضح المتمثل في تلك القسمة الضيزى التي يعتمد بموجبها نسبة ما بين 1% إلى 2% من وظائف ومقدرات البلد كنصيب ثابت لنصف العدد الإجمالي لسكان البلد.
16.                      القيام بتحقيق كمي ونوعي ،تحت سلطة الدولة وبمشاركة المنظمات المختصة ،من اجل تقدير حقيقة ظاهرة العبودية ومخلفاتها وتجلياتها؛
17.                       الشروع في تنظيم حوار عقائدي كبير تشارك فيه كافة مدارس الفكر الإسلامي حول الخطاب الديني المتعلق بالعبودية ،ومراقبة نشر كتب الاجتهاد حول الرق ،وكذلك بعض برامج وسائل الاعلام العمومي (إذاعة القرءان الكريم مثلا) والتي تصب في اتجاه إدامة الممارسات العبودية وعدم المساواة بين بني البشر. كما يجب بحث دور بعض العلماء والفقهاء بصفتهم هيئة التشريع للأنظمة السياسية والاجتماعية الظالمة والذين تتعارض بعض أطروحاتهم مع تعاليم ديننا الحنيف في ما يخص قيم المؤاخاة والمساواة بين بني البشر؛
18.                      تأكيد الدور الريادي لأفراد مكونة لحراطين المؤهلين في المجالات الدينية والثقافية وتشجيع بروز ائمة وفقهاء ومفكرين وصحفيين وشعراء وكتاب من أجل تغيير الصورة النمطية ،وإظهار مساهمة هذه الشريحة في إنتاج ونشر القيم الدينية والثقافية؛
19.                      تأكيد مبدأ المساواة بين الشرائح والمواطنين بصفة واضحة ومحددة في الخطابات وفي الإعلانات السياسة العامة للحكومة وللمعارضة ،وفي خطط التنمية المختلفة وفي أولويات منظمات المجتمع المدني والشركاء الأجانب.
سيقترح مشروع ميثاق من اجل المساواة الحقيقية وضد الإقصاء والتمييز في القريب العاجل لكافة الأحزاب السياسية من أجل إثرائه واعتماده.
20.                      إعادة تأسيس سياسات محاربة البطالة والفقر باستهداف أكثر فاعلية لمناطق الفقر والفقر المدقع ،وتطبيق آليات اختيارية لصالح لحراطين مع إسناد مهمة محاربة الفقر إلى الهيئة العمومية المشار إليها في النقطة رقم 7؛
21.                      وضع برنامج خاص واستعجالي لصالح مئات الآلاف من الشباب غير المتمدرسين وبدون شهادات والذين هم ضحايا انهيار المدرسة العمومية وفقر ذويهم.
وتشكل مجالات الزراعة والصيد والمعادن والخدمات احيتاطيات كبيرة للعمل يمكن تنميتها ،بالإضافة إلى استحداث خدمة جديدة ،مدنية وعسكرية ،من أجل إنشاء عشرات الآلاف من فرص العمل.
22.                      وضع أدوات تحفيزية (تخفيضات ضريبية ،تخفيف الأعباء الاجتماعية ،تخفيف الضرائب على الربحات ،الحصول على التمويلات المصرفية الميسرة مع أسعار فائدة منخفضة ...الخ) من أجل زيادة حجم الاستثمار الخاص وتوجيهه نحو المناطق الأكثر فقرا وتشجيع خلق الثروات وفرص العمل.
23.                      وضع خطة للتكوين المهني لصالح أصحاب المهن الصغرى وعمال القطاع غير المصنف مع فتح باب التمويل العمومي والخاص أمامهم من أجل هيكلة أفضل لنشاطاتهم وتحسين إنتاجهم وزيادة مداخلهم.
24.                      إعادة النظر في حالة الشركات الوسيطة (مكتب تشغيل اليد العاملة في الميناءBEMOP) من اجل وضع حد لممارساتها المشينة والمشابهة للاسترقاق الحديث المتمثل في اقتطاع 60% من رواتب العمال ظلما وعدوانا وبدون أي سبب وجيه. لذا يجب منع هذه الاقتطاعات أو ووضع سقف لها لا يتجاوز 10%كما هو الحال بالنسبة للمقاييس الدولية أو إسناد تسيير هؤلاء العمال إلى مركزيات النقابات المهنية؛
25.                      وضع تصور لبرنامج كبير لإعادة إحياء الثروة الحيوانية ومباشرة تنفيذه لصالح صغار المزارعين والمنمين الفقراء لمنحهم قطيع من الحيوانات يتألف من (15) رأس على الأقل من مختلف الأنواع (بقر،غنم ،إبل) حسب مناطق التنمية وخيارات المستفيدين من أجل الوصول لتنمية حيوانية منتجة تزيد الدخل وتقلل الفقر.
26.                      ترقية سياسات السكن الاجتماعي من أجل تأمين سكن لائق مجهز بالماء والكهرباء للفقراء وإعطائهم فرصة للتملك.
27.                      دعم منظمات المجتمع المدني المنخرطة في النضال من أجل المساواة الحقيقية ودعم إنشاء معاهد الدراسات الإستراتيجية والإستشرافية وكذلك المراصد الموجهة لمهمة الدراسات والنشر المتعلقة  "بمسألة لحراطين".

28.                      تسهيل الظهور الإعلامي لكافة مدارس الفكر ،لرجال السياسة والمثقفين ومناضلي القضية من اجل قطيعة حقيقية مع الفكر الأحادي الرجعي والنافي للظاهرة ؛ويمنع منذ عقود أي نقاش جاد لمعرفة حقيقة الرق والتهميش ،والذي يريد التعتيم على النظام الاجتماعي الظالم رغم إضراره بالوحدة والوئام الوطنيين.
29.                      تخليد يوم التصويت على القانون المجرم للممارسات الاسترقاقية بصفته يوما رسميا للتذكر ،تسترجع فيه الأمة ذكريات الماضي وتكرم عبره ضحايا ومناهضي الرق بإنتاج ثقافي متنوع يمجد قيم المساواة والعدالة والتضامن والتآخي ومناهضة كافة أشكال التمييز.
وبهذه المناسبة ،يستحسن تنظيم حفلات تتخللها خطابات رسمية ،كما يجب تنظيم نقاشات في وسائل الإعلام ،وفي المدارس والجامعات ،وتكريم و توشيح مناضلي هذه القضية النبيلة.
30.                      استحداث سلطة عليا مستقلة ،ومدرجة في الدستور ،مكلفة بترقية المساواة الحقيقية ومحاربة كافة أشكال التمييز والتهميش ،كما ستكون لها صلاحيات التحقيق والتوقيف وحق التمثيل القضائي لكافة ضحايا التمييز والاستعباد. ويمكن لهذه السلطة العليا أن تسخر الحكومة أو أية سلطة عمومية حول أية خروقات تلاحظها ،قد تمس بمبادئ المساواة أو المعاملة المتساوية لكافة المواطنين في ما يتعلق بالولوج إلى الوظائف العمومية والمأموريات الانتخابية والتمويلات ووسائل الاعلام العمومي ...الخ. ويجب على هذه السلطة أن تحرر تقريرا سنويا يرفع إلى رئيس الجمهورية ورئيسي مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية وكذلك زعيم المعارضة الديمقراطية.و ينشر نفس التقرير في وسائل الإعلام العمومي ،وتتم مناقشته على مستوى غرفتي البرلمان.
وانطلاقا من هذا التشخيص والحقائق المبينة أعلاه ،يأتي هذا الإعلان الذي يشكل ،في آن واحد ، يدا ممدودة ونداء من اجل إعادة تأسيس مشروع سياسي وطني جديد  قوامه الإنعتاق الحقيقي لكافة المهمشين مهما كانت أصولهم   وعلى رأسهم فئة لحراطين ،والقضاء التام على كافة أشكال الظلم والغبن والتهميش التي يتعرض لها كافة المحرومين في بلادنا.هذا التهميش الذي لا يقتصر على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية فحسب ؛بل يتعداهما إلى تكبيل اطراف واسعة من المجتمع بسيكولوجية الدونيةالاجتماعية. ويهدف هذا الإعلان ،بالأخص ،إلى ترجمة وعي جديد لفئة لحراطين ،وتثمين مكتسبات النضالات السابقة التي تم خوضها منذ تأسيس حركة الحر  في مارس  1978 ،كما يهدف إلى استخلاص العبر من التجارب السابقة وتقديم مشروع نضالي جديد وجامع ،يكرس القطيعة التامة مع أنظمة الهيمنة الخصوصية  وبالذات القبلية منها ،خدمة للمصحة الوطنية العليا.
إن الحركة المدنية الكبرى المتوخاة من خلال هذا الإعلان تندرج في إطار القطيعة الكاملة مع النظام القديم المتميز بالاستعباد والإقطاع ،وكذلك فضح استراتجيات التهميش البائدة من اجل خلق الظروف المواتية لثورة اجتماعية وسياسية تحتضنها تعبئة وطنية قوية ،تتسم بالسلمية والديمقراطية  وتشمل كافة القوى السياسية والاجتماعية المنحدرة من كافة المكونات الاجتماعية وتتسامى على كافة الانتماءات المتحيزة سواء كانت ثقافية أو سياسية أو أثنية أو عرقية.
تشكل هذه الوثيقة نداء من أجل التأقلم مع الوضع الجديد ومع متطلبات المرحلة من أجل تحقيق انفراج بين مراكز القوى من ناحية ،والقاعدة العريضة للمجتمع من ناحية أخرى ،وذلك بغية تحاشي التأثيرات الضارة  للشعور المتصاعد بالاحتقان داخل البلد ،والذي لا يمكن لأي كان سبر أغواره.
إن كافة القوى السياسية الوطنية (موالاة ومعارضة) ونشطا المجتمع المدني وقادة الرأي ،وكل المواطنين المخلصين ،مدعوون لإبداء الرأي حول محتوى هذه المساهمة المتواضعة في استشراف مستقبل أفضل لوطننا.
وفــي النهاية ،ليس لهذه المقاربة من هدف سوىتحقيقالحق والحقيقةلمفهوم المواطنة الحقة المبنية علىإشاعة العدالة الاجتماعية وتجسيدالحرية والمساواة بين المواطنين وتشييد الوحدة الوطنية على أسس سليمة  وراسخة ،ناجعة ومستديمة ،عملا بمبدأ المصارحة قبل المصالحة.
"وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ،إن أريدإلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب".
صدق الله العظيم


رأيكم يهمني

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

blogtopsites'