الأربعاء، 26 فبراير 2020

دراسة للبنك الدولي..موريتانيا من بين 22 دولة تهريبا للمساعدات الدولية



تعتمد العديد من دول العالم و إفريقيا تحديدا، وجنوب الصحراء بشكل أدق على المساعدات الدولية لمواصلة عملية التنمية، وبشكل عام يعتبر البنك الدولي المؤسسة التي تتبوأ الصدارة في دعم موازنات هذه الدول، إلا أن جدوائية هذه المساعدات تشهد انتقادا كبيرا سواء من طرف بعض الخبراء الاقتصاديين الذي يتهمون البنك الدولي بغض الطرف عن هذه الدول من حيث الفساد وسرقة هذه المساعدات أو من طرف مواطني هذه الدول الذين يعيشون الواقع بحيثياته، أي انعكاس تطبيق الوصفات التي يطلبها البنك الدولي من هذه الدول على الحياة اليومية للمواطن، إذ زادت البطالة وتم خصخصة الكثير من الشركات التي كانت توفر فرص عمل للكثير منهم، حتى ولو أنها ليست إلا حاضنة لبطالة مقنعة تتحمل الدولة فيها ثقل رواتب تقتطع دون مردود حقيقي.
يعتبر الانتقاد الأكثر حدة ذلك الذي يأتي من المواطنين أنفسهم حيث يرون أن مساعدات البنك الدولي لم تجلب لهم إلا البطالة، كما أن الدولة أصبحت تتخلى عنهم شيئا فشيئا من خلال رفع الدعم عن الكثير من الأمواد الأساسية سواء كانت موادا غذائية أو مواد أكثر تأثير على حياتهم مثل المحروقات، المتحكم الرئيس في كل شيء، فهم يرون ألا فائدة مطلقا من المساعدات الدولية، ويجب الاستغناء عنها، لكن في ظل العجز الذي تعانيه الموازنات لايكون أمام الحكومات إلا الرضوخ لمقترحات – أوامر – البنك الدولي، علما أنه لا تخلو تلك الحكومات من رغبة جامحة لتلك المساعدات حيث تمثل مصدر ثراء مهم للفاسدين عبر تهريب الكثير من تلك الأموال الى الملاذات الضريبية وغير الضريبية، وسبيلا لذلك تلجأ لتغطية " الفشل " الذي تعيشه من خلال تزوير الأرقام التي تزود بها البنك الدولي، ففي موريتانيا اعترفت الحكومة الموريتانية سنة 2005 بأن الأرقام المتفائلة التي كانت تقدمها للممولين غير صحيحة، بل كانت عرضة للتلاعب، هذا ما جاء على لسان أحد الوزراء كان عضوا في حكومة تزور حتى أرقام التساقطات المطرية  ( انظر كتاب مدخل إلى الاقتصاد الموريتاني ، المسيرة الملامح المؤشرات، الصفحة24) ، كما أنها كانت تزور الأقام ذات الدلالة الاقتصادية عن الفترة 1992 حتى 2004  مثل عجز الموازنة و سك النقود ومعدلات النمو و مبلغ الاحتياطي الاجباري، فقد كان الاحتياطي الالزامي لا يتجاوز 50 مليون دولار في حين تقول الحكومة أنه يصل 400 مليون دولار نهاية 2002 في ما كان معدل النمو الحقيقي 3% في حين تقول الحكومة الموريتانيا أنه 4.5% أما التوسع في حجم النقود فكان يزيد سنويا بمقدار 15% في حين كان هذا الرقم ضعف الأرقام التي تفصح عنها الحكومة االموريتانية للممولين (انظر الوثيقة على الرابط https://cutt.us/dujyh ).
وفي هذا الإطار صدرت دراسة بعنوان (Elite Capture of Foreign Aid يمكن ترجمتها ب " سيطرة - نهب - المجموعة الحاكمة على المساعدات الخارجية) لعينة من 22 دولة الاكثر اعتمادا على المساعدات الدولية لمجموعة باحثين بالبنك الدولي ( يورغن جويل أندرسن، نيلز يوهانسن، بوب ريكرز)  منشورة بتاريخ  18 فبراير 2020 عن الفترة 1990 – 2010، اعتمدت على العديد من البيانات المجمعة، وقد ركزت هذه الدراسة على التناسب الطردي بين الايداعات النقدية للنخبة الحاكمة في البنوك بدول تمثل ملاذات ضريبية كسويسرا و لوكسوبرغ  و في بنوك دول أخرى لا تمثل ملاذت ضريبية وقد وجدت الدراسة أنه  في الربع الذي يتلقى فيه بلد ما، ما يعادل 1٪ من الناتج المحلي الإجمالي ، تزيد ودائعه في الملاذات الضريبية بنسبة 3.4٪  مقارنة بدولة لا تتلقى أي مساعدة، كما أن منح البنك الدولي لبلدان مثل بوروندي أو إريتريا يتوافق مع زيادة في التحويلات إلى بلدان مثل سويسرا أو لوكسمبورغ إذ يتراوح متوسط ​​الودائع في الملاذات الضريبية بين 4 ملايين دولار لساو تومي وبرينسيبي إلى حوالي 200 مليون دولار لمدغشقر، من ناحية أخرى، لم يلاحظ أي زيادة في الأصول الموجودة في بلدان لا تعتبر ملاذات ضريبية وتتوافق هذه التدفقات المالية غير المشروعة مع ما مجموعه 5٪ من المساعدات الإنمائية التي يمنحها البنك الدولي للبلدان المعنية ويرتفع هذا المعدل إلى 15٪ بالنسبة للبلدان السبعة التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات المقدمة من المؤسسة (بوروندي ، غينيا بيساو ، إريتريا ، ملاوي ، سيراليون ، أوغندا ، موزمبيق).
وفي ما يتعلق بموريتانيا فقد أظهرت الدراسة أنه قد تم تهريب مبلغ 32 مليون دولار خلال الفترة 1990 حتى 2010 إلى بنوك تمثل ملاذات ضريبية مثل لكسومبرغ و سويسرا حيث كانت تمويلات البنك الدولي عن هذه الفترة تمثل 2.1% في حين كانت المبالغ المحولة إلى بنوك دول لا تمثل ملاذات ضريبية في حدود 150 مليون دولار، وكان معدل النمو الفصلي للودائع في الملاذات الضريبية يساوي 2.14 أكبر بقليل منه في البنوك التي لا تمثل ملاذات ضريبية حيث يساوي 2.7%.



وما يمكن استنتاجه من هذه الأرقام أن موريتانيا خسرت مبالغ كبيرة كانت لتشكل رافدا مهما لعملية التنمية، على الرغم من الأرقام المتفائلة التي تعلنها الحكومات الموريتانية عقب فترة هذه الدراسة، حيث سيكون الشك يراودنا حيالها، فعلى الرغم من أن الأنظمة تتغير إلا أنها تبقى محافظة على جوهرها المتين الذي يُعتمد عليه في وضع السياسة العامة كما أن مؤشرات مدركات الفساد هي الأخرى – انظر مقال سابق بعنوان : الاقتراض الخارجي والفساد... لماذا نرهن أنفسنا؟ - تمنعنا من التفائل بالارقام التي يُعلن عنها تباعا.
وبشكل عام، فقد خلصت الدراسة إلى أن المدفوعات إلى الدول التي تعادل 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي (موريتانيا تساوي 2.1%)  في ربع معين، تؤدي إلى زيادة ملحوظة إحصائياً في ودائع الملاذ بنحو 3.4 في المائة، وبالوضع في الاعتبار أن موريتانيا كانت تقدم أرقاما مغلوطة لمؤسسات التمويل الدولية و كذا بيانات الجدول أعلاه، ثم مَرْتبة موريتانيا المتدنية في مؤشر مدركات الفساد، لا يسمح لنا إلا أن نخلص إلى أننا ضحية عملية سرقة كبيرة لتمويلات سندفعها لاحقا مرغمين و بحجم مضاعف نتيجة معدلات الفائدة المتراكمة بفعل عمليات إعادة الجدولة الدائمة.

إقرأ أيضا :






رأيكم يهمني

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

blogtopsites'