الأربعاء، 16 ديسمبر 2020

تحديات الاغلاق في ظل 56.6% من القوة العاملة في وضع مؤقت

 


تحديات كثيرة وجدت الدول النامية نفسها في مواجهتها بفعل الأزمة الصحية العالمية (كوفيد 19)، هذه التحديات تجلت في كون الأزمة لم يبق تأثيرها على المستوى الصحي فحسب، بل تطور إلى مستويات مختلفة، ولعل أهمها، المستوى الإقتصادي، حيث يتجلى الأثر الأكبر، فالدول النامية في أغلبها تعتمد في تنفيذ برامجها التنموية على تصدير المواد الأولية، وأبرز مثال على ذلك موريتانيا، فهي شبه معتمدة على الصادرات من الحديد والنحاس والذهب والسمك ...إلخ، وبما أن الدورة الاقتصادية العالمية عرفت تباطؤا شديدا، انعكس على الدول المصدرة بشكل مباشر، فنجد أن أغلبها طالبت منذ البداية، بتأجيل أقساط الدين المستحقة الدفع، وهو ما استجاب له الدائنون بمختلف مستوياتهم، حيث تم التأجيل أكثر من مرة، ولا يزال رؤساء بعض الدول الأفريقية يطالبون بالتأجيل أو الإلغاء لهذه الديون. و أوضح مثال على ذلك ما صرح به  الرئيس الموريتاني، الذي طالب في خطاب ألقاه الاثنين 30 نوفمبر 2020 في قمة مشتركة بين دول الساحل الخمس والاتحاد الأوروبي معتبر أن هذه الدول تواجه صعوبات كثيرة حتى قبل الجائحة.

موريتانيا تعتبر من الدول التي تعاني بشدة، فهي من بين الدول ذات المستوى الصحي المتدني وتحتاج للمساعدات بشدة للتغلب على الوباء، وعلى المستوى المحلي قامت الحكومة بمجموعة من الإجراءت القاسية لضبط الوضعية الوبائية في الموجة الأولى، حيث أغلقت بين الولايات مع بعضها البعض وعزل نواكشوط باعتباره بؤرة للوباء، لكن هذه الإجراءات كانت أشد وقعا على العمالة غير الدائمة وأصحاب الدخل اليومي غير المنتظم، وبالنظر إلى أن اقتصاد موريتانيا ضعيف نسبيا حسب صندوق النقد الدولي، إذ تحل موريتانيا في الترتيب 147 من أصل 186 دولة حسب الناتج المحلي الإجمالي، ويعاني من بطالة تقدر ب 13.3% في النساء و 10.9% في الرجال وعمالة غير دائما تمثل 56.6% من القوة العاملة، فإن ذلك يحيل إلى وضعية غاية في القتامة.

وفي نفس الإطار يشير تقرير البنك الدولي الصادر في مايو 2019 بعنوان  " تقرير حول الوضعية الاقتصادية لموريتانيا ، تحسين مناخ الأعمال لتعزيز تنمية القطاع الخاص[1]" إلى وضعية عمالة صعبة على المستوى الوطني في 2017 إذ أنه من بين كل خمسة أشحاص تقل أعمارهم عن 25 سنه، أكثرمن اثنين منهم لا يتوفرون على فرصة عمل، وفي نفس الوقت فإن نسبة 44.2% من الفئة العمرية بين 14 و35 سنة لا يتوفرون على نشاطات مهنية كما ليسوا متعلمين وليست لديهم أي مهن محددة، وهو ما يعني درجة مرتفعة من الهشاشة على المستوى الاجتماعي. بالاضافة إلى ذلك تسجل فوارق كبيرة على مستوى سوق العمل بين الرجال والنساء، حيث تمثل النساء تقريبا نصف القوى العاملة الموريتانية في عمر التوظيف، إذ تصل 57.5% في حين  28.2% فقط منهن ينشطن في سوق العمل، مقابل 59.6% بالنسبة للرجال.

من ناحية أخرى يشير التقرير إلى أن سوق العمل الموريتاني شبه معوق بسبب انتشار العمالة غير الرسمية، ففي 2017 مثلت الوظائف غير الرسمية أكثر من 56% من إجمالي القوى العاملة، وباستثناء المجال الزراعي، فالوظائف غير الرسمية ترتفع في المجال التجاري حيث تصل 44% وفي مجال الخدمات 21% وفي قطاع التصنيع 26%، وبشكل عام انتشار العمالة غير الرسمية مرتفع بين الشباب في نواكشوط حيث تتركز قرابة 38% من اليد العاملة غير الرسمية. وترتفع العمالة المؤقتة أساسا في القوى العاملة من الذكورالأميون حيث تصل 63%  وفي القوى العاملة بين النساء الأميات في الفئة العمرية بين 14 و 29 سنة إلى 56%.

و إجمالا فإن العمل المؤقت أو غير الرسمي، ويعرف أحيانا بغير الدائم، لا يتيح للعامل الحصول على مرتب كافي، يسمح له بتغطية حاجاته بالشكل المطلوب، إذ أن الاقتصاد غير الرسمي يوظف غالبا العمال الأقل تكوينا وتأهيلا والأقل إنتاجية وهو عكس ما يحدث على مستوى العالم.

 مع أزمة كوفيد 19 بات العالم يعرف ظروفا وأحوالا اقتصادية تختلف في كثير من جوانبها عن طبيعة ما قبلها  فلم تعد  ظروف العمل كما كانت، إذ أصبح الكثير من العمال يقومون بوظائفهم من المنازل، حفاظا علي صحتهم، وفي ظل عمل حكومة أبعد ما يكون عن الاعتماد على الانترنت فإنه يمكن تصور الصعوبات والبيروقراطية التي ستأثر على الأداء اليومي، ناهيك عما هو موجود من قبل، كما أنه في ظل إهدار كبير للوقت في الإدارات العمومية فإنه تمت التوصية بتقليل عدد الموظفين في كل إدارة وهو ما يشيرإلى تباطئ شديد في مستوى الدورة الاقتصادية التي تعاني أصلا من البيروقراطية والفساد، وفي نفس الإطار يقول تقرير للبنك الدولي بعنوان " تحويل التحديات إلى فرص من أجل القضاء على الفقر وتعزيز الرفاه المشترك/ دراسة تشخيصية منهجية عن موريتانيا " أنه  ( مازالت نظم المحسوبية في الإدارة العامة تشوه الهياكل التحفيزية وتؤثر على قدرات توزيع الموارد العامة وتقديم الخدمات، ولا تزال الادارة العامة أكبررب عمل نظامي ...... ومع ذلك لا تزال الوظائف العامة تتأثر بشكل كبير ومباشر بالمصالح الخاصة، ولم يتم إضفاء الطابع المؤسسي على عملية تعيين كبار المسؤولين الإداريين على أساس الجدارة والإدارة القائمة على الأداء، ولا يزال منطق السعي للحصول على الريوع (جمع ريع) سائدا عبر طبقات الإدارة، مما يتسبب بالاخلال بالسياسات العامة والحد من المساءلة عن تقديم الخدمات[2])

إذا، في ظل الموجة الثانية من الوباء تكون المعادلة صعبة للغاية، فمن جهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة لمجتمع جل عمالته غير منتظمة وتعتمد الكثير من أسره على معيلة، ذات نشاط اقتصادي ضعيف، ومن جهة ثانية ضرورة اتخاذ إجراءات قاسية للحفاظ على الصحة العامة.

في الاغلاق الماضي تم توزيع مبالغ مالية نقدية على 200 ألف أسرة في 8119 قرية ومدينة، بمعدل  22500 أوقية قديمة للأسرة الواحدة بالاضافة لاجراءات أخرى متمثلة في دفع تكاليف فاتورة الكهرباء من طرف الدولة الموريتانية، وهو الأجراء الذي أثار الكثير من اللغط بعد ذلك، إذ تعتقد الأسر التي استفادت من هذه المساعدة أن الشركة ضاعفت تكلفة الفاتورة بعد انتهاء فترة الاعفاء تلك، واتباع نفس الاجراء الآن سيكون مكلف اقتصاديا ، علما أن الكثير من الاقتصاديين يعتبرون ضخ السيولة النقدية في السوق قد يساهم في زيادة التضخم ، خاصة على مستوى المواد الغذائية الأساسية على الرغم من أنها طريقة تتبع أحيانا.

عموما وعلى الرغم من أن تحمل الحكومة لهذه التكاليف خفف نوعا ما، ودون الخوض في الشكاوي من أن المواطن تحمل تكلفة الاعفاء بعد ذلك، إلا أنه يبقى دون المستوى، كذلك فإن توزيع المبالغ في ظل الاغلاق لم يكن كافيا، فكم تساوي 22500 أوقية قديمة من تكاليف معيشة لأسرة صغيرة؟ دون الحديث عن أسر أكبر، علما أن المتضرر وهي الأسر الفقيرة غالبا ما تكون بأعداد كبيرة، وأخذا في الحسبان إحصائية البنك الدولي التي تقول أن 56.6% من القوى العاملة الموريتانية في وظائف مؤقتة أو غير رسمية سيكون النظام أمام وضعية معقدة للغاية ما لم يجد جديد يجعل وقت الإغلاق قصير جدا.



[1] La Banque Mondiale ; Rapport sur la situation économique en Mauritanie; améliorer le climat des affaires pour favoriser le développement du secteur privé - Mai 2019 

[2]  - وثيقة للبنك الدولي، تحويل التحديات إلى فرص من أجل القضاء على الفقر وتعزيز الرفاه المشترك/ دراسة تشخيصية منهجية عن موريتانيا، مايو 2017 (تقرير رقم  MR-116630).

الاثنين، 7 ديسمبر 2020

ُ لنعمل لنتعلم بلغتنا الرسمية ( حملة فيسبوكية)

 

يتكون المجتمع الموريتاني من ناطقين باللغات التالية ( العربية والبولارية والسوننكية والولفية) وينص الدستور الموريتاني في المادة السادسة منه على الآتي: ( اللغات الوطنية هي العربية والبولارية والسوننكية والولفية. اللغة الرسمية هي العربية).

مرَّ تاريخ التعليم في موريتانيا بتقلبات معروفة لدى الجميع و لدى المهتمين بشكل خاص، لقد تم تكرار ذكرها مرات عديدة ونوقشت بما فيه الكفاية، ولست في وارد ذلك الآن، إلا أن ما نعانيه اليوم من تردي في خدمة التعليم ناتج لتلك التقلبات غير المدروسة في السياسات التعليمية. لا أقدم هنا وصفة بيداغوجية تربوية لإصلاح التعليم بقدر ما أحاول التركيز على واقع أعيشه كالكثيرمن أبناء الوطن الذين اكتووا بواقع بائس جعلهم يطرحون التساؤلات التالية:

- هل اللغة العربية هي فعلا اللغة الرسمية للدولة؟

- لم يتم اقصاؤنا من المسابقات الوطنية، بسبب عدم معرفة لغة أجنبية غير اللغة الرسمية للبلد؟

- لم تتعامل المؤسسات الخدمية يوميا مع المواطنين بلغة لا يفهمونها، وحتى إن فهموها، فلم، وهي ليست لغتهم الأم.

- لم يقف الكثير منا سدا وحائلا في وجه كل ناطق بالعربية ؟

- لم نتهم كمطالبين باعتماد اللغة التي نص عليها الدستور الموريتاني، بمحاولة إقصاء موريتانيين آخرين مثلنا؟

 

أولا، تنقسم الآراء الناقدة للمطالبين باعتماد اللغة العربية لغة رسمية للتعامل اليومي إلى قسمين، قسم يرى أن اللغة العربية لا تصلح لغة للعلم وتتصف بالعجز و الجمود.

ثانيا ، قسم آخر يرى أن استخدام اللغة العربية سيقصي المكونات الموريتانية الأخرى، التي ليست اللغة العربية لغتها الأولى.

 

أما بالنسبة للرأي الأول، فأقول؛ إذا كانت اللغة العربية ليست لغة علم، عكس اللغة الفرنسية، فلم تقدمت دول لا تعتمدها ولا تعتمد الفرنسية ولا الانجليزية، روسيا والصين و اليابان وكوريا الجنوبية وإيران وإسبانيا وغيرها كثير، دول تعتمد على لغتها الوطنية في تدريس مختلف العلوم.

 

 تعمدت عدم ذكر أي دولة عربية رغم وجود المثال، لكن أليست هذه دول وتدرس بلغتها الوطنية؟ ما المشكلة إذا؟! إذا كان المشكل في نظركم يعود إلى تخلف الدول العربية فتلك قصة أخرى، لكنهم لن يتطوروا بتخليهم عن لغة يعيشها أبناءهم يوميا وينطقونها بسلاسة وستكون دون شك أسهل على التعلم بها من غيرها، عكس لغة ليست موجودة في المحيط العائلي، ولا حتى المحيط الإجتماعي يتحدثها، ومعروف أن إتقان اللغة يتطلب معايشتها يوميا، دون أن أنسى الأسر الميسورة التي تبعث أبناءها إلى السنغال والمغرب لدراسة سنة لغة ليتمكنوا من ولوج السوق، سوق العمل، إذا ما مصير أبناء شعب يعيش الفقر بنسب مرتفعها في الغالب الأعم وبالكاد يستطيع إرسال أبناءه إلى المدارس أصلا، وإن فعل فقد لا يتمكن من اقتناء المستلزمات التعليمية، ناهيك عن تأجير مدرس خصوصي لتعليم لغة أخرى.

 

 أما بالنسبة للرأي الثاني المتبني لفكرة الإقصاء، فإذا كان الأمر كذلك، ألى يعتبر ما يحدث الآن إقصاء هو الآخر لآخرين لا يعرفون الفرنسية، موريتانيون لا يحصلون على العمل بحجة أنهم لا يعرفون لغة ليست لغتهم إطلاقا، أين الإقصاء ولم تتحدثون عنه إن كان الدستور نفسه يقول بأنها اللغة الرسمية كما أشرت آنفا، أليس هذا تناقضا صارخا وتجاوزا للدستور، أم أنكم جبلتم على تجاووزه و أصبح بالنسبة لكم لا شيء يذكر، كما تعود رؤساؤكم، ثم إنه إذا كانت المطالبة باعتماد لغة منصوص عليها كلغة للدولة، تعتبر إقصاءا، فليكن إذا. وما عليكم إذا إلا المطالبة بتغيير الدستور وتغيير اللغة فيه تبعا لذلك، أم أنها المصالح والاستلاب ؟!

أريد أن أشير هنا إلى أن الموضوع بالنسبة لي ليس قومية عربية ولا تعتريه أي صلة بالايديلوجيا البتة، فآخر ما أفكر فيه أمور كهذه، فأنا لا تجذبني ولا أطيق القوميين كايديلوجيا، بل إنها مجرد مطالبة بإنصاف جزء من مجتمع يقع عليه التجهيل والاقصاء بحجج واهية، وكل ذلك خوفا من أن يقول آخرون أنه تم إقصاءهم.

 

تعمدت هنا الانطلاق من النتائج الحاصلة من بطالة مرتفعة وفشل للتعليم باد للعيان، فهي مربط الفرس وحجر الرحى كما يقال، وباعتبارذلك أيضا خير دليل على الفشل الذي نتقلب فيه اليوم والناتج عما سمي ب " إصلاح التعليم " فالتركيز إذا لن يكون على تلك السياسات التعليمية بل على الواقع التعليمي اليوم ومحاولة إصلاحه ، الإصلاح الذي يعتبر أساسه الوحيد التركيز على لغة وحيدة مفهومة للجميع، دون إهمال اللغات الأخرى لكن على الأقل لا يحصر التعليم كلها بها وتقييد التلاميذ الذين ليست لهم إمكانية تعلم لغة لا تتوفر لا الشروط الاجتماعية ولا المادية بتعلمها بالشكل الذي يسمح للتلميذ التحصيل بها بامتياز.

 

إن هذه الإزدواجية التي يعتمدها المنهج التعليمي المتبع، هي المشكلة الأكبر التي تواجه التلاميذ في الابتدائية خصوصا، بشهادة المدرسين الذين قالوا ذلك في مؤتمرات وندوات كثيرة، فلا التلاميذ تعلموا الفرنسية بإتقان ولا تعلموا المواد التي تدرس بها، وفي النهاية يتسرب التلميذ نتيجة العقبة الكأداء التي تعترض تعلمه بسلاسة.

كما أنني هنا أود التوضيح أن الموضوع لا يعني مطلقا، تجاهل تعلم اللغة الفرنسية، أبدا، بل من الواجب تعلمها و تعلم الانجليزية وكل اللغات الممكنة، كل ذلك على أن يكون في مرحلة يصبح التلميذ قادرا على مساعدة نفسه وفهم متطلبات تعلم لغة جديدة، لكن لا ينبغي اعتبار عدم معرفتها عائقا أمام مواطن يبحث عن عمل في وطنه بحجة عدم معرفتها، وإلا فما فائدة اعتبار اللغة العربية لغة رسمية للدولة، فلتتم إزالتها ووضع اللغة الفرنسية مكانها، فهي الآن هي لغة الإدارة الموريتانية والسبب في إقصاء الكثير من الشباب من الحصول على عمل في وطن ضائع.

 

إلا أنه رغم ذلك كله، لا يجب إهمال مكونات المجتمع الأخرى التي قد لا تكون درست باللغة العربية، فيجب إشراكها وايجاد حل يتوافق مع الدستور، أو حل ما، توافقي، كأن يتاح العمل الإداري باللغة العربية إلى جانب الفرنسية ويسمح لكل من يريد المخاطبة وإعداد التقارير اليومية أن يقوم بذلك باللغة التي يجيدها ويرى في نفسه القدرة على الابداع بها بشكل أكبر.

 

ليس غائبا عنا جميعا أن الدولة تعيش عجزا يكاد يكون عاما، فحيثما نظرت ستجد خللا بنيويا جسيما وفي مجال التعليم بالاضافة إلى الخلل المنهجي نلاحظا خللا بنيويا، نقصا حادا في البنية التحتية وتراكما للتلاميذ في مالمدارس حيث وصلا حد يكون القسم عاجزا عن استيعاب الجميع، إذ كيف يستوعب فصلا بطول 6 متر وعرض 4 متر ما يزيد عن 100 تلميذ، كيف يمكن تعلم أي شيء في قسم بهذا الشكل، ناهيك عن الصعوبات سالفة الذكر، فإن تعلم لغة في هذه الظروف يعتبر نوعا من إهدار الوقت لا أكثر.

لنعمل لنتعلم بلغتنا الرسمية

الثلاثاء، 10 نوفمبر 2020

الوظيفة العمومية أم القطاع الخاص ؟!

 

ليس سهلا أن نتحدث عن موضوع شائك ذا أبعاد شديدة التداخل، فكل واحد منها يصب في الآخر وتقديم أي مقترح فيه يستوجب حل الإشكاليات التي يعاني منها المجال الثاني المرتبط به، إن الحديث هنا يتعلق بإشكالية تفضيل الشباب الموريتاني للتوظيف - على قلته حسب الأرقام ذات الصلة – في الوظيفة العمومية على القطاع الخاص، على الرغم من أن الدول التي تتبنى نهجا حرا في اقتصاداتها مثلنا، يقود قاطرتها التنموية القطاع الخاص بالدرجة الأولى، ولعل هناك الكثير من الأسباب التي أدت لهذا التفضيل المناقض لروح الإقتصاد سأحاول تبيانها ما استطعت وتقديم مقترحات حلول  لعلها تكون مساهمة بسيط في حل إشكالية معقدة، علما أنه ليس الا مقالا عاما لا ينحو منحى التخصص الدقيق على أن يكون ذلك في وقت لاحق.

المتابع لظروف المسابقات التي تنظمها الدولة الموريتانية عبر اكتتاب في وزارات معنية (غالبا، المالية والداخلية، التعليم والصحة ) سيلاحظ دون شك الكم الهائل من الشباب الذين يشاركون في هذه المسابقات، قد تصل أحيانا 1000 مشارك من أجل 10 مقاعد، ومن المعروف أن الكثير منهم يفضلون وظيفة في الدولة الموريتانية مع ما توفره من امتيازات على أخرى في القطاع الخاص يفتقر صاحبها إلى الحصول على أبسط االحقوق، وهو أمر راجع لأسباب كثيرة سنتطرق لها لاحقا.

لماذا نصر على التوظيف في الوظيفة العمومية رغم عملنا في القطاع الخاص ؟

يتمتع الطبيب والمدرس وغيرهم من موظفي القطاع العمومي بامتيازات التأمين الصحي وراتب مستمر دون انقطاع في الحالة العادية، و إمكانية الاستفادة من قروض بنكية لشراء سيارة أو قطعة أرضية أو لبناء سكن، وهو ما يجعل الكثيرين رغم دخلهم المعقول في القطاع الخاص يحاولون الفرار منه إلى أي وظيفة في الدولة الموريتانية، مهما كان نوعها على أن تضمن الامتيازات سالفة الذكر، حتى أنها أصبحت ثقافة راسخة لدى المواطن الموريتاني أو الباحث عن عمل بشكل عام. حتى وإن كان هذا الفرار مشروع بحكم بحث الفرد المستمر عن كل ما هو أفضل له ولعائلته، إلا أنه يعبر بجلاء عن فشل القطاع الخاص في احتواء موظفيه أو لنقل الحفاظ عليهم لضرورة استمراريته وعدم فقدان موظفين مدربين وذوي خبرة، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ففي مجتمع تغلب عليه الفئة العمرية الشابة ويعاني من بطالة كبيرة (مُختلف على تقديرها بين 31% و 9.61% لسنة 2020 حسب تقديرات البنك الدولي) فإن القطاع الخاص لن تنقصه العمالة بأي حال من الأحوال.

لماذا تفر العمالة من القطاع الخاص ؟

رغم الامتيازات سالفة الذكر والتي توفرها الوظيفة العمومية للموظفين إلا أن ذلك لا يمكن أن يكون السبب الوحيد الذي يجعل طالبي العمل يفرون من القطاع الخاص كلما أتيحت لهم الفرصة، فهو كما أشرت يعتبر رأس قاطرة اقتصادات العالم المتقدم وله أهمية بالغة لدى المشرعين وواضعي السياسات الكلية لاقتصادات تلك الدول، فبالنظر إلى الكارثة التي لا تزال مستمرة عمدت الكثير من الدول إلى تقديم مساعدات للقطاع الخاص بالاضافة إلى اعفاءات كثيرة استفادت منها الشركات التي توظف عمالة كبيرة نوعا ما، وهذا اعتراف صريح بالدور الذي يلعبه هذا القطاع في اقتصادات تلك الدول.

أشرت إلى أن القطاع الخاص ذاته، قد لا يكون المسؤول وحده، إلا أنها مسئولية مشتركة بالفعل، بينه وبين الحكومات الموريتانية، ممثلة للقطاع العام أو باعتبارها الجهة التنفيذية المسئولة عنه، إذ لا تراقبه بالصرامة اللازمة والسهر على تطبيق القانون حتى يكون مساهما فعلا في الحد من البطالة وتوفير بدائل، بدل الاعتماد المفرط على الحكومات الموريتانية في توفير وظائف، وعموما القطاع الخاص في الغالب يفتقر إلى :

- عقود قانونية منضبطة توضح بجلاء الحقوق بمختلف أشكالها

- تأمين صحي

- تأمين اجتماعي

- مزاجية أصحاب الأعمال وقدرتهم على فصل أي موظف لا يروق لمالك الشركة أو المصنع أو المؤسسة وهو ما يتعارض مع القانون.

- النزاهة والعدالة في منح الحقوق، بل يلجئون إلى رشوة النقابات للتخلي عن مطالبها بتحسين ظروف العمال. 

 

مشاكل تأثرعلى العمالة في القطاع الخاص؟

على الرغم من أن العمالة تغادر القطاع الخاص للأسباب سالفة الذكر، إلا أنه هو أيضا يعاني من مشاكل جمة تأثر على أداءه، أبرزها ضعف التمويل " الائتمان المصرفي "  ما جعل الفاعلين فيه يركزون بشكل مبالغ فيه على التجارة التي تحتاج عمالة قليلة بالاضافة إلى أنه يوظف فقط عمالة من المحيط العائلي، ولم ينجح لأن يكون مؤسسات كبيرة تمتص عمالة معتبرة، إذ أن البنوك الموريتانية تفضل غالبا تقديم قروض تجارية قصيرة الأجل على الأخرى الإستثمارية طويلة الأمد (انظر تقارير البنك المركزي)، وفي هذا السياق، ورد في تقرير البنك الدولي " موريتانيا: حاجة لإصلاحات هيكلية لدعم النمو الذي يقوده القطاع الخاص"  لسنة 2019 أنه : (...يشدد على وجه الخصوص على أن العائق الرئيسي الذي يواجه الشركات الموريتانية هو الحصول على الائتمان. لذلك، يوصي بجعل تحسين الوصول إلى الائتمان - خاصة بالنسبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة - أولوية لخارطة الطريق التي ستضعها الحكومة للتحسين في هذا المجال. بالإضافة إلى ذلك، يوصي البنك الدولي بمكافحة الفساد - الذي تم تحديده باعتباره ثاني أهم عائق أمام الشركات -، وإصلاح سياسة المنافسة، (...)، وتعزيز المساواة القانونية بين الرجل والمرأة ، لتعزيز رأس المال البشري ... وجميع الإصلاحات القادرة على ضمان تنمية القطاع الخاص وخلق فرص العمل في موريتانيا.)

 كما أنه لا يهتم بالاستثمار في الصناعات الخفيفة التي تحتاج عمالة أكثر مقارنة بالتجارة ، وهو ما يستوجب تدخل الجهات المعنية بوضع استيراتيجية تعمل على خلق عمالة في هذا القطاع عبر عدة طرق لعل أهمها استخدام العصى والجزرة عبر إجبار الفاعلين الخصوصيين على تطبيق جميع المعايير القانونية التي تكفل للعامل حقوق تجعله مطمئنا عل مستقبله مقابل اعتماد تنقيط تنال بموجبه أي جهة خاصة معاملة تفضيلية كلما التزمت بالقانون في التعامل مع موظفيها من خلال توفير التأمين الصحي والاجتماعي، كما أن االدولة الموريتانية ممثلة في الحكومة يمكن أن تنتهج سياسة بموجبها تحث البنوك على تقديم قروض للعاملين في القطاع الخاص عر توفير ضمانات من شركاتهم والحكومة كذلك، القضاء على الفساد والمحسوبية وفتح مجال الفرص الاستثمارية بالتساوي أمام الفاعلين الخصوصيين ، مع ميزة تفضيلية نسبية للذين يوظفون عمالة أكثر ويوفرون ظروف مادية مواتية لعمالتهم.

 ماهو الحل؟

بدرجة كبيرة، ستكون الحكومة الموريتانية هي المسئولة عن إيجاد حلول تساعد بشكل فعال في الحد من البطالة المستشرية بين الشباب الموريتاني، قد يكون أهمها –على الأمد البعيد - التنسيق مع القطاع الخاص لمعرفة احتياجاته بشكل دقيق و العمل على إدراجها في المناهج الدراسية بالمعاهد والجامعات والغاء التخصصات غير المرغوبة في السوق الموريتانية و على الأمدين المتوسط والقريب فيمكن التركيز على إعادة تكوين للعمالة بشكل سريع حتى تكون قادرة على دخول سوق العمل، دون أن أنسى أن هناك يد عاملة ماهرة ومدربة جاهزة، ومن هنا تبرز ضرورة تدخل الحكومة عبر سياسة صارمة تجبر شركات القطاع الخاص على اكتتاب العمالة الجاهزة وتوفير عقود سليمة من الناحية القانونية بما تكفله من تأمين صحي واجتماعي...إلخ ، ثم إن اتباع استيراتيجية تقوم على مكافئة ومعاقبة الفاعلين في القطاع الخاص تبعا لدرجة التزامهم بالقوانين المنظمة لنشاطهم بما في ذلك حقوق العمال، كفيل بجعلهم يلتزمون بدرجة كبيرة بما هو مرسوم لهم ويساعدون بشكل فعال في خلق فرص عمال تخفف الضغط على الحكومة من أعداد الخريجين السنوية. بالاضافة الى تسهيل الوصول إلى قروض ميسرة مضمونة تسمح لعمال القطاع الخاص لتحقيق بعض حاجياتهم وأن يكونوا قادرين على انشاء مشاريع صغيرة تساعدهم في أمور حياتهم اليومية.

 

 

 

السبت، 2 مايو 2020

المدرس سيدينا 1998

سنة 1998، المدرسة رقم واحد العتيقة، ثلاثة أقسام بيضاء، أو لنقل مائلة للصفرة بفعل عوامل التعرية القاسية، نوافذها عبارة عن صفائح مثل الستائر تلتصق ببعضها عند الإغلاق، لكنها كانت باردة في فصل الصيف، وكثيرا ما نمنا بفعل ذلك الهواء العليل، كنا حوالي أربعون تلميذا، المدرس السيد/سيدينا الذي كنا ننظر له كعارض أزياء من كثر ما بدل  يوميا، طويل ونحيل، وكانت ياقات أقمصته تبدو عليه وكأنه طفل ابن ثمانية سنوات، حينويرتدي زي والده، كانت تسريحته المتموجة مائلة يسارا، (دراعته) تصدر فرقعة عجيبة، سماها مصطفى "العِلك" لاتفارق السيگارة مكانها المعتاد بين سبابة ووسطى شماله، شماله التي يبعدها عنه عدة سنتمترات أثناء سير كأنها شيئا ملوثا، يمشي بهدوء قاتل، مائل إلى الأمام قليلا (مْكَوَّت)، ينتعل أحذية " سيمار أو فاني غالبا"ولن أحدثكم عن عطره الذي يثير سعالنا بشكل متواصل، نعم، نحن الذين يوبخنا دائما بعبارته القاسية (تَمُّ اسْتحمو).
استعداده للجلوس على مقعده يتم بطقوس خاصة؛ يقف أمام مقعده، ثم يخرج منديلا " كلينكس"من جيبه بنفس الهدوء، عبر سبابته وابهامه وبمساعده يده اليسرى بعد ايداع السيگارة فمه المليء بالفتحات في فكه السفلى، يلف طرفي دراعته بهدوء شديد وبإحكام أيضا، يمد يده من بعيد ثم يمسح المقعد، يبدأ بحوافه ثم وسطه بحركة دائرية غير مكتملة، ثم يتبع كل ذلك بنفخة من فمه حتى يزيل آخر العوالق، وكم تمنينا ألا يقعد ذلك اليوم.
 أحياناً يطلب "الجمل" ليقوم بالمهمة؛ الجمل هذا لمن لا يعرفه، هو أطول من في الفصل، عضلات مفتولة وأنف أفطس وصدر مفتوح، وغير محب للدراسة كثيرا، لكنه والحق يقال يجيد تنظيف السبورة ومقعد المدرس وطاولته، وعدى عن لقب الجمل، كان مصطفى يلقبه بـ "الطلاسة" :)
مدرسنا، يبتسم بدلال أنثوي غير مفهوم. لقد كنا نلحظ حركات غير اعتيادية وسرور مفاجئ في عطلة العاشرة، وهو يحادث تلك المدرسة القصيرة، الجميلة والممتلئة،في الخقيقة كثير ممن عاصرها هام بها عشقا، لكنها صلبة وقاسية ولعوب في نفس الوقت، كان يسبقها إلى مكتب المدير الخالي من أي حركة دوما.
كانت الفوضى تعم القسم حين نقتنص لحظة فراغ، حتى حين يخرج ليبصق بقايا الدخان بباب الفصل، و أظن أن تلك البصقة التي تلي التدخين هي التي ألهمت مصطفى.
كان الجو شتاء، و الأسئلة الشفهية توشك أن تبدأ وأعيننا الجاحظة تنتظر اللحظة الحاسمة، لحظة السكون والتسمر إلى جانب السبورة وزغللة العينين وانتظار وحي لن يأتي.
 مرّ السيد/ سيدينا من أمام مصطفى، نفذ فكرته على الفور؛ كمية بصاق هائلة تلطخ مؤخرته، تسيل حتى أسفل وركيه المعدمين، مصطفى يكتم ضحكة كبيرة، ووجوم يخيم على القسم كله، سكون وكأن على رؤوسنا الطير، شيئا واحد نتمناه في ذلك الوقت؛ ألا يجلس على كرسيه أبدا، فساعتها سنذوق العذاب المر، سكون تقطعه طقطقة الساعة وهي تعد الدقائق عدا، لقد كاد الناجي أنو يفرغ زوائده ذلك اليوم، لولا أن المدرس كان عطوفا وسمح له بقضاء حاجته.
ظل يتمشى بين الصفوف إلى أن جف الريق أو كاد، كل الخُشب المسندة، كما سمانا المدير، تخاف مصطفى، إنه شقي بشكل لا يوصف، ولأننا نخافه أكثر من المدرس، كنا سنتعذب جميعا، فآخر شيء يتمناه أحدنا هو تحمل ضرب مصطفى في الشارع و إهانته أمام بنات الفصل واللائي غالبا هن سبب ذلك الاجرام، فمصطفى يريد لفت انتباههن ولن يقبل أحدنا أن يكون وسيلة تسلية.

الأربعاء، 15 أبريل 2020

رأي ‏حول ‏اجراء ‏الحكومة ‏مع ‏شركة ‏(آفروبورت) ‏

#اقتصاد #استثمار #رأي (أفروبورت Afroport) 
             إدارة الشركة مع بعض العمال
بعيدا عن العاطفة. 
رأينا جميعا، ما تقوم به الحكومات حول العالم من إجراءات دعما لاقتصاداتها خوفا من الانهيار، لكننا لم نرى أن هناك دولة ما، أرغمت شركة خاصة، على الاحتفاظ بعمالها، فالشركة قطاع خاص يتعرض لأزمة طاحنة ويخسر يوميا، بالتالي ليس من المنطق الاقتصادي إرغامه على تحمل تكاليف رغم خسارته بحجة #ظروف_قاهرة، إذ أن خسارته خسارة للاقتصاد الوطني ذاته.
#ما_هو_الحل
من البديهي أن الحكومة تخاف على مواطنيها، بالتالي احتراما للمستثمرين الأجانب (أو الوطنيين) أن تتحمل الحكومة جانبا من مرتبات هؤلاء العمال، لكي تكون قد تدخلت فعلا وحلت المشكلة بطريقة اقتصادية بحتة، وليس إخافة آخرين من المحتمل أنهم يرغبون في دخول السوق الموريتانية بإحراءات تعسفية. 
ولقد رأينا حول العالم، طرق التعامل مع هذا الظرف، في أمريكا، حيث تم تخصيص 2 ترليون لدعم الشركات (مربط الفرس هنا هو الطريقة فقط) و عربيا في  #تونس حيث خصصت موقعا الكترونيا لتسجل عليه الشركات بياناتها لتتلقى الدعم، ودول أخرى قامت بجدولة ديون الشركات وتخفيف بعض الإجراءات...
لقد تلقت حكومتنا مساعدات دولية ومحلية والهدف منها سد الفجوات الاقتصادية الناتجة عن الأزمة، وليس سرقتها عبر الصفقات المشبوهة، وعمليات الشراء المغشوشة (مغاسل ليدين، وسيارات #واو و الاعلاف... بمبالغ خيالية وبنفس العكر، الحالة الاستثنائية.) 
فلم، لا تستخدمها في ما جمعت له، بعيدا عن هذه التصرفات " الألفبائية " في كيفية حل المشاكل؟!

السبت، 21 مارس 2020

أَهلْ كُمْبَتَاهْ -صَبَاحَهْ


... وكُنَّ سيدات ستينيات، هكذا قدرت أعمارهن - مع أنه يُقال أنه من الصعب تقدير عمر السيدة - يتمايلن بفعل مرض التهاب المفاصل الشائع عند من في سنهن، يرتدين ملاحف، في الغالب سوداء أو غامقة اللون، لديهن مسحة تدين زائفة، لستُ هنا بوارد ذكر بوائقهن المثيرة، تسابيحهن حفرت آثارها في أرصاغهن الممتلئة، أجسادهن لا تكاد تستقيم، يميل الجزء العلوي إلى الأمام قليلا، من الرأس حتى أسفل الظهر، إلا أردافهن البارزة للخلف بشكل مبالغ فيه، في الحقيقة إن تلك الأرداف علامة مميزة لهن، فتضفي عليهن أشكالا غريبة، مُشكَّلات قوسا غير مكتمل حين تنظر لاحداهن من الرأس إلى القدمين. إحداهن تضع نظارة سوداء رخيصة، تلتصق بعينيها بشكل عجيب؛ بحيث يبدو حاجبيها الناتئين البارزين، كأنهما مظلتين على بئرتي النظارتين، قال صديقي المشاكس بسخريته الدائمة، وعطفا على هذه الملاحظة؛ يا للعجب، لديها مظلتان فوق نظارتيها الأبديتين، مالفائدة منهما إذا، حاجبيها يقومان بالمهمة؟!.
... لحظات، ضربة دفٍ هائلة من النوع الذي يهتز له قلبك، سيدتان على اليمين، اثنتان على الشمال، يبدو أنه أخذ شكله النهائي الجاهز للضرب المبرح. لا يمكن أن تكون تلك الضربة المزلزلة إلا للسيدة (... )، إنها حكاية أخرى، شارباها متدليان، يتدلى الأسفل منهما بشكل مبالغ فيه، تظهر وكأنها غاضبة أبدا، لا ترتدي أي قميص تحت ملحفتها، ليبدو جسمها الضئيل بمجرد أن ترفع إحدى يديها بمطرقة الطبل اليابسة، رأسها قليل الشعر، أشيب، تتقن مهنتها بعناية فائقة، لا تنفك تردد عبارات غير مفهومة، في خصام مع مجهول، حتى وهي لا تضرب الطبل. لا طعم و لاروح لأي عُرس لم تضرب فيه الطبل بيديها اليابستين المقشرتين، كسمكتين يابستين.
دائرة من نسوة سمروات، تبدو أعين أغلبهن غائرة، حمراء كالدم، تخلو وجوههن من أي مساحيق تجميل، فقط مجرد كحل بعيونهن يزيد أهدابهن سوادا، يتمايلن، تصدر أكفهن الجافة تصفيقا متناغما، حادا وجميلا، ترتمي أثدائهن إلى الأمام عند التمايل، لم تكن الصدريات شائعة الاستخدام حينها. تبدأ الأمسية بشبه هيللة، لكنها ليست كذلك، يقلن بعبارات غير مفهومة، حتى للسامع؛ (أَهَييْ أَيَّ هَاهْ) يكررنها مرات، بتناسق عجيب مع تصفيقهن.
 كان وقع الطرق على " الطبل" مميزا جدا، هكذا؛ ضربة أولى، ثم ثانية قبل اكتمال صدى الأولى ، و كأنها جاءت لتنهي الصدى بشكل كامل، ثم ثلاث ضرباب متتالية، كفيلة بجعل ذلك العجوز النحيل يقفز من فراشه، ينفض لثامه بطريقة مميزة مصدرا صوتا مثل طلقة رصاص من بعيد. يحمل فوق فيه شاربا معدا بشكل يليق بعجوز غير منظم، إنه في شكل شريط، قصير نوع ما بحيث يبدو كشارب هتلر.
كان - رحمه الله - مميزا في كل شيء، يرتدي - غالبا - قميصا ذا أزرار، وسروال "تشاية" أسود من توبيت، وحذاء من " الصمَّارة"، يزين منكبه بلثامه المطوي إلى حجم متر، أو حين يكوره ليضعه فوق رأسه في أيام الحر، أو حين يريد وضع خنشة اسمنت أو أرز فوق رأسه، أدوات التدخين خاصته محتلة على الدوام جيب قميصه المزرر فوق صدره مباشرة (بريكه، اعظم، بيت مليء بامنيجه وسُرّة إضافيه احتياطية في منديل أسود )
كان - يرحمه الله - صاحب صرخة عظيمة مجلجلة، بمجرد أن يأخذ مكانه في " المرجع"؛ يقف نصف وقفة، أعلى قليلا من وضع الركوع، أو لنقل ركوع من به علة بظهره، يمسك ركبتيه براحتي يديه، ثم يملأ رئتيه بالهواء ليقذفه بقوة مجلجبة مصدر تلك الصرخة الجميلة، يبدأ قفزاته الدائرية مثل الكنغر، حتى تتوالى التصفيقات بالطريقة المنظمة إياها، متبوعة بزغاريد لا تنتهي. يرفع ذراعيه الممدودين بشكل أفقي بالتساوي كجناحي غراب في وضع الطيران الحر، حين يفردها للاستراحة، يرفع رجله اليمنى في ذات الوقت، ثم تبدأ القفزات بآلية عجيبة، وبرغم اعتيادنا عليها، فنحن لا نمل من التسابق و الاصطفاف خلف النسوة مشرئبي الأعناق للمشاهدة.
لا تنتهي متعة الرقص الإيقاعي هنا، يكتمل المشهد حين تقفز تلك السيدة العجيبة، نحيلة أيضا ومدخنة شرهة، تضع نظارات طبية ذات حواف زرقاء، جميلة أيضاً، ربما تضفي نظارتها الطبية مسحة جمال إضافية، ترفع جناحيها ممسكة ملحفتها بكلتا يديها، بحيث تبدو منتفخة من منطقة الخصر، من الجانبين، ثم تقلد العجوز، في قفزاته، لكنها تصدر أصواتا مختلفة، فحين يصيح العجوز صيحته المعتادة " يزقط، كما يُقال"، تصدر هي فحيحا أو " مزمزة" متتالية، وقد تقول بتتابع موزون؛ ( أَيْ، أَيْ) مرة واحدة بفواصل بجزء من الثانية، ثم ثنائيات  ( أَيْ أَيْ- أَيْ أَيْ)  متتالية دون فواصل،  هنا تترك ملحفتها لتعود لوضعها الطبيعي، لتصدر عن يديها تصفيقات ثنائية متناغمة، يتبعها ما يشبه فحيحا متواصلا (أشششششش) تماما مثل تسرب الريح من خرطوم نفخ إطارات السيارة " ميشلان ".
أَهلْ كُمْبَتَاهْ ؛ نسوة عجيبات، لا يتعبن من تكرار نفس الأداء، فقد يقمن به مساء، ثم في فجر نفس اليوم، أو ما نسميه نحن ب " صَبَاحَهْ"، حيث تنطلق الرابعة فجرا ولا تنتهي إلا بعد صلاة الفجر، إنهن سيدات أكلهن الدهر، وبقيت ذكراهن مجلجلة.

... وكُنَّ سيدات ستينيات، هكذا قدرت أعمارهن - مع أنه يُقال أنه من الصعب تقدير عمر السيدة - يتمايلن بفعل مرض التهاب المفاصل الشائع عند من في سنهن، يرتدين ملاحف، في الغالب سوداء أو غامقة اللون، لديهن مسحة تدين زائفة، لستُ هنا بوارد ذكر بوائقهن المثيرة، تسابيحهن حفرت آثارها في أرصاغهن الممتلئة، أجسادهن لا تكاد تستقيم، يميل الجزء العلوي إلى الأمام قليلا، من الرأس حتى أسفل الظهر، إلا أردافهن البارزة للخلف بشكل مبالغ فيه، في الحقيقة إن تلك الأرداف علامة مميزة لهن، فتضفي عليهن أشكالا غريبة، مُشكَّلات قوسا غير مكتمل حين تنظر لاحداهن من الرأس إلى القدمين. إحداهن تضع نظارة سوداء رخيصة، تلتصق بعينيها بشكل عجيب؛ بحيث يبدو حاجبيها الناتئين البارزين، كأنهما مظلتين على بئرتي النظارتين، قال صديقي المشاكس بسخريته الدائمة، وعطفا على هذه الملاحظة؛ يا للعجب، لديها مظلتان فوق نظارتيها الأبديتين، مالفائدة منهما إذا، حاجبيها يقومان بالمهمة؟!.
... لحظات، ضربة دفٍ هائلة من النوع الذي يهتز له قلبك، سيدتان على اليمين، اثنتان على الشمال، يبدو أنه أخذ شكله النهائي الجاهز للضرب المبرح. لا يمكن أن تكون تلك الضربة المزلزلة إلا للسيدة (... )، إنها حكاية أخرى، شارباها متدليان، يتدلى الأسفل منهما بشكل مبالغ فيه، تظهر وكأنها غاضبة أبدا، لا ترتدي أي قميص تحت ملحفتها، ليبدو جسمها الضئيل بمجرد أن ترفع إحدى يديها بمطرقة الطبل اليابسة، رأسها قليل الشعر، أشيب، تتقن مهنتها بعناية فائقة، لا تنفك تردد عبارات غير مفهومة، في خصام مع مجهول، حتى وهي لا تضرب الطبل. لا طعم و لاروح لأي عُرس لم تضرب فيه الطبل بيديها اليابستين المقشرتين، كسمكتين يابستين.
دائرة من نسوة سمروات، تبدو أعين أغلبهن غائرة، حمراء كالدم، تخلو وجوههن من أي مساحيق تجميل، فقط مجرد كحل بعيونهن يزيد أهدابهن سوادا، يتمايلن، تصدر أكفهن الجافة تصفيقا متناغما، حادا وجميلا، ترتمي أثدائهن إلى الأمام عند التمايل، لم تكن الصدريات شائعة الاستخدام حينها. تبدأ الأمسية بشبه هيللة، لكنها ليست كذلك، يقلن بعبارات غير مفهومة، حتى للسامع؛ (أَهَييْ أَيَّ هَاهْ) يكررنها مرات، بتناسق عجيب مع تصفيقهن.
 كان وقع الطرق على " الطبل" مميزا جدا، هكذا؛ ضربة أولى، ثم ثانية قبل اكتمال صدى الأولى ، و كأنها جاءت لتنهي الصدى بشكل كامل، ثم ثلاث ضرباب متتالية، كفيلة بجعل ذلك العجوز النحيل يقفز من فراشه، ينفض لثامه بطريقة مميزة مصدرا صوتا مثل طلقة رصاص من بعيد. يحمل فوق فيه شاربا معدا بشكل يليق بعجوز غير منظم، إنه في شكل شريط، قصير نوع ما بحيث يبدو كشارب هتلر.
كان - رحمه الله - مميزا في كل شيء، يرتدي - غالبا - قميصا ذا أزرار، وسروال "تشاية" أسود من توبيت، وحذاء من " الصمَّارة"، يزين منكبه بلثامه المطوي إلى حجم متر، أو حين يكوره ليضعه فوق رأسه في أيام الحر، أو حين يريد وضع خنشة اسمنت أو أرز فوق رأسه، أدوات التدخين خاصته محتلة على الدوام جيب قميصه المزرر فوق صدره مباشرة (بريكه، اعظم، بيت مليء بامنيجه وسُرّة إضافيه احتياطية في منديل أسود )
كان - يرحمه الله - صاحب صرخة عظيمة مجلجلة، بمجرد أن يأخذ مكانه في " المرجع"؛ يقف نصف وقفة، أعلى قليلا من وضع الركوع، أو لنقل ركوع من به علة بظهره، يمسك ركبتيه براحتي يديه، ثم يملأ رئتيه بالهواء ليقذفه بقوة مجلجبة مصدر تلك الصرخة الجميلة، يبدأ قفزاته الدائرية مثل الكنغر، حتى تتوالى التصفيقات بالطريقة المنظمة إياها، متبوعة بزغاريد لا تنتهي. يرفع ذراعيه الممدودين بشكل أفقي بالتساوي كجناحي غراب في وضع الطيران الحر، حين يفردها للاستراحة، يرفع رجله اليمنى في ذات الوقت، ثم تبدأ القفزات بآلية عجيبة، وبرغم اعتيادنا عليها، فنحن لا نمل من التسابق و الاصطفاف خلف النسوة مشرئبي الأعناق للمشاهدة.
لا تنتهي متعة الرقص الإيقاعي هنا، يكتمل المشهد حين تقفز تلك السيدة العجيبة، نحيلة أيضا ومدخنة شرهة، تضع نظارات طبية ذات حواف زرقاء، جميلة أيضاً، ربما تضفي نظارتها الطبية مسحة جمال إضافية، ترفع جناحيها ممسكة ملحفتها بكلتا يديها، بحيث تبدو منتفخة من منطقة الخصر، من الجانبين، ثم تقلد العجوز، في قفزاته، لكنها تصدر أصواتا مختلفة، فحين يصيح العجوز صيحته المعتادة " يزقط، كما يُقال"، تصدر هي فحيحا أو " مزمزة" متتالية، وقد تقول بتتابع موزون؛ ( أَيْ، أَيْ) مرة واحدة بفواصل بجزء من الثانية، ثم ثنائيات  ( أَيْ أَيْ- أَيْ أَيْ)  متتالية دون فواصل،  هنا تترك ملحفتها لتعود لوضعها الطبيعي، لتصدر عن يديها تصفيقات ثنائية متناغمة، يتبعها ما يشبه فحيحا متواصلا (أشششششش) تماما مثل تسرب الريح من خرطوم نفخ إطارات السيارة " ميشلان ".
أَهلْ كُمْبَتَاهْ ؛ نسوة عجيبات، لا يتعبن من تكرار نفس الأداء، فقد يقمن به مساء، ثم في فجر نفس اليوم، أو ما نسميه نحن ب " صَبَاحَهْ"، حيث تنطلق الرابعة فجرا ولا تنتهي إلا بعد صلاة الفجر، إنهن سيدات أكلهن الدهر، وبقيت ذكراهن مجلجلة.

الأربعاء، 11 مارس 2020

ضرورة تدريس مادة الاقتصاد في المرحلة الثانوية!



الناظر إلى خريطة العالم اليوم سيري الكثير من الصراعات والحروب ، سواء كانت حروبا مباشرة أو حروبا بالوكالة ، لكنها تشترك جميعا في الأهداف، بل لنقل هدفا واحدا أسمى؛ إنه الحفاظ على المصالح الاقتصادية الكبرى، و ستلاحظون كذلك أن كل دولة تستخدم ما لديها من قوة للابقاء على مصلحتها مهما كلفها ذلك، هذه الوضعية  تعطينا صورة واضحة عن الأهمية القصوى " للإقتصاد " الذي يعبر عنه بالمصالح الاقتصاية أو الاستيراتيجية الكبرى، لكن  والحالة هذه، هل سنكون على اطلاع  بخفايا هذه  الصراعات ونحن الذين نبدأ دراسة أهم مادة تربوية على الاطلاق في المرحلة الجامعية؟
إن الكثير منا يسقط في أول اختبار في وحل العاطفة الجياشة بعيدا عن الادراك الفعلى للمصالح الاقتصادية الكبرى، وتجد أحدنا يصطف مع هذا الطرف أو ذاك دون حساب للمصلحة "الاقتصادية" العليا للبلد،  وهذا ناتج عن ما يمكن تسميته " بالجهل الاقتصادي المزمن"
ومن هنا تأتي ضرورة التركيز على المفاهيم الاقتصادية عبر إدراجها ضمن المناهج التربوية من الاعدادية إن أمكن أو  في المرحلة  الثانوية على أقل تقدير، فليس من الطبيعي ألا تدرس مادة الاقتصاد التي تكتسي الأهمية المشار إليها بعاليه إلا في المرحلة الجامعية فقط.
إن المراد تدريسه هنا ليس التعمق في هذه المادة  (التخصص) بل فقط تكوين قاعدة معرفية ضرورية متمثلة في  " مبادئ الاقتصاد " من خلال التركيز على المصطلحات الاقتصادية و المفاهيم المتداولة بشكل يومي، حتى نخلق وعيا حقيقيا وتجذيرا مبدئيا لهذه التخصص الذي يشكل الأساس الذي تبنى عليه الدول.
أهمية تدريس الاقتصاد
كما أشرت سابقا  الاقتصاد هو الركيزة الأساسية للدول، وفهم هذا المقصد يعتبر أساسيا لجعل أجيال المستقبل تفهم بدقة معنى أن تحافظ على بلدك بالسعي الدؤوب للحفاظ على مصالحه الاقتصادية العليا، إذ لا يمكن لدولة أن تنهض و تنمو دون البناء على مختلف الأصعدة، ولن يتأتى ذلك دون فهم الطلاب في المرحلتين الاعدادية أو الثانوية بشكل أخص  لأهمية ذلك وطرق القيام به باعتبار أن هذه المرحلة هي السابقة على تحديد توجهات المتعلمين في التخصصات الجامعية ومن بعدها إلى سوق العمل، وسواء كان العمل حكوميا أو خاصا سيكون الخريج على اطلاع واسع على مختلف المشكلات التي تواجهه، كما أن فهمه العميق المبني على تعلمه لمختلف أفرع مادة الاقتصاد في المرحلة الثانوية سيخوله استنتاج أفضل الحلول لأي مشكلة قد تواجهه.
إن العديد من الدول تتبع هذا النهج مثل مصر ولبنان واليمن و بعض دول الخليج ، وقد كان من أهم أهداف منهج مادة الاقتصاد إطلاع المتعلم على المشكلات والقضايا التي تشغل مجتمعه وتعميق فهمه لها لمعالجتها وعقلنة سلوكه الاقتصادي مستقبلا، و تتعدد الطرق التربوية المتبعة في ذلك، فمنها من يسميه الاقتصاد المنزلي ومنهم من يسميه تدريس مبادئ الاقتصاد..إلخ، وفي كلتا الحالتين لن نخسر شيئا بل نحن من يكسب من ذلك عبر  تعليم الفرد كيف يفكر اقتصاديا واجتماعيا وكيف ينتج !
لكن كيف:
 أما عن كيفية ذلك؛ فيمكن أن يتم عبر إعداد كتاب تربوي اقتصادي  من إعداد  نخبة من اساتذة الاقتصاد بجامعة نواكشوط حيث يعهد إليهم بوضع تصور يصاغ على شكل كتاب بأجزاء أربعة ، هذا أولا، ثانيا ستكون هذه فرصة لتوفير فرص عمل لآلاف الطلبة الذي يتخرجون سنويا من كلية الاقتصاد ويذهبون إلى الشارع، فلا هم مسموح لهم بالاشتراك في مسابقة اكتتاب اساتذة الرياضيات ولا أساتذة الفيزياء ولا هم وفرت لهم فرص عمل أخرى بديلة، والمنفذ الوحيد لهم هو المسابقات التي تجريها الدولة لاكتتاب اداريين وماليين والتي تجرى غالبا كل ثلاث سنوات أو أكثر.
وبشك عام سيتجاوز الطلبة إلى المرحلة الجامعية وهم على اطلاع تام بماهية العديد من المصطلحات  والمواضيع التي يتم تداولها يوميا من قبيل ؛ التنمية، الاقتصاد الكلي، الاقتصاد الجزئي، الناتج المحلي الاجمالي ، الموارد الاقتصادية الطبيعية، البطالة (الأشكال والأنواع) ، الإنتاج، الدين العام، التنمية المستدامة، التضخم بأنواعه، الاستثمار، مشكلة الندرة ...إلخ
و لقد حملت مادة الاقتصاد أسوة بباقي المواد مجموعة من الأهداف التي تؤمن للمتعلم المفاهيم والمبادئ التي تساعده على فهم ما يدور من حوله، كما تسهل مسيرته التخصصية في الجامعات ولا تقف عند هذا الحد إنما تساهم في تغيير سلوك دارسها من خلال ترشيد تصرفاته عند أول مشكلة تواجهه في وظيفته مستقبلا ، زد على ذلك أنها تجعل المتعلم مطلعا على مشكلات مجتمعه، الاجتماعية والاقتصادية و العمل على معالجتها بموضوعية من خلال الفهم العميق الذي اكتسبه من خلال دراسته لهذه المادة، وكل هذا من شأنه أيضا أن يساهم في عقلنة سلوكه كفرد ، كما يساعده على تنشيط تفاعله واندماجه الاجتاعي  وتجعله واعيا لاختيار النشاطات التي تسهم في تنمية وطنه.

الأربعاء، 26 فبراير 2020

دراسة للبنك الدولي..موريتانيا من بين 22 دولة تهريبا للمساعدات الدولية



تعتمد العديد من دول العالم و إفريقيا تحديدا، وجنوب الصحراء بشكل أدق على المساعدات الدولية لمواصلة عملية التنمية، وبشكل عام يعتبر البنك الدولي المؤسسة التي تتبوأ الصدارة في دعم موازنات هذه الدول، إلا أن جدوائية هذه المساعدات تشهد انتقادا كبيرا سواء من طرف بعض الخبراء الاقتصاديين الذي يتهمون البنك الدولي بغض الطرف عن هذه الدول من حيث الفساد وسرقة هذه المساعدات أو من طرف مواطني هذه الدول الذين يعيشون الواقع بحيثياته، أي انعكاس تطبيق الوصفات التي يطلبها البنك الدولي من هذه الدول على الحياة اليومية للمواطن، إذ زادت البطالة وتم خصخصة الكثير من الشركات التي كانت توفر فرص عمل للكثير منهم، حتى ولو أنها ليست إلا حاضنة لبطالة مقنعة تتحمل الدولة فيها ثقل رواتب تقتطع دون مردود حقيقي.
يعتبر الانتقاد الأكثر حدة ذلك الذي يأتي من المواطنين أنفسهم حيث يرون أن مساعدات البنك الدولي لم تجلب لهم إلا البطالة، كما أن الدولة أصبحت تتخلى عنهم شيئا فشيئا من خلال رفع الدعم عن الكثير من الأمواد الأساسية سواء كانت موادا غذائية أو مواد أكثر تأثير على حياتهم مثل المحروقات، المتحكم الرئيس في كل شيء، فهم يرون ألا فائدة مطلقا من المساعدات الدولية، ويجب الاستغناء عنها، لكن في ظل العجز الذي تعانيه الموازنات لايكون أمام الحكومات إلا الرضوخ لمقترحات – أوامر – البنك الدولي، علما أنه لا تخلو تلك الحكومات من رغبة جامحة لتلك المساعدات حيث تمثل مصدر ثراء مهم للفاسدين عبر تهريب الكثير من تلك الأموال الى الملاذات الضريبية وغير الضريبية، وسبيلا لذلك تلجأ لتغطية " الفشل " الذي تعيشه من خلال تزوير الأرقام التي تزود بها البنك الدولي، ففي موريتانيا اعترفت الحكومة الموريتانية سنة 2005 بأن الأرقام المتفائلة التي كانت تقدمها للممولين غير صحيحة، بل كانت عرضة للتلاعب، هذا ما جاء على لسان أحد الوزراء كان عضوا في حكومة تزور حتى أرقام التساقطات المطرية  ( انظر كتاب مدخل إلى الاقتصاد الموريتاني ، المسيرة الملامح المؤشرات، الصفحة24) ، كما أنها كانت تزور الأقام ذات الدلالة الاقتصادية عن الفترة 1992 حتى 2004  مثل عجز الموازنة و سك النقود ومعدلات النمو و مبلغ الاحتياطي الاجباري، فقد كان الاحتياطي الالزامي لا يتجاوز 50 مليون دولار في حين تقول الحكومة أنه يصل 400 مليون دولار نهاية 2002 في ما كان معدل النمو الحقيقي 3% في حين تقول الحكومة الموريتانيا أنه 4.5% أما التوسع في حجم النقود فكان يزيد سنويا بمقدار 15% في حين كان هذا الرقم ضعف الأرقام التي تفصح عنها الحكومة االموريتانية للممولين (انظر الوثيقة على الرابط https://cutt.us/dujyh ).
وفي هذا الإطار صدرت دراسة بعنوان (Elite Capture of Foreign Aid يمكن ترجمتها ب " سيطرة - نهب - المجموعة الحاكمة على المساعدات الخارجية) لعينة من 22 دولة الاكثر اعتمادا على المساعدات الدولية لمجموعة باحثين بالبنك الدولي ( يورغن جويل أندرسن، نيلز يوهانسن، بوب ريكرز)  منشورة بتاريخ  18 فبراير 2020 عن الفترة 1990 – 2010، اعتمدت على العديد من البيانات المجمعة، وقد ركزت هذه الدراسة على التناسب الطردي بين الايداعات النقدية للنخبة الحاكمة في البنوك بدول تمثل ملاذات ضريبية كسويسرا و لوكسوبرغ  و في بنوك دول أخرى لا تمثل ملاذت ضريبية وقد وجدت الدراسة أنه  في الربع الذي يتلقى فيه بلد ما، ما يعادل 1٪ من الناتج المحلي الإجمالي ، تزيد ودائعه في الملاذات الضريبية بنسبة 3.4٪  مقارنة بدولة لا تتلقى أي مساعدة، كما أن منح البنك الدولي لبلدان مثل بوروندي أو إريتريا يتوافق مع زيادة في التحويلات إلى بلدان مثل سويسرا أو لوكسمبورغ إذ يتراوح متوسط ​​الودائع في الملاذات الضريبية بين 4 ملايين دولار لساو تومي وبرينسيبي إلى حوالي 200 مليون دولار لمدغشقر، من ناحية أخرى، لم يلاحظ أي زيادة في الأصول الموجودة في بلدان لا تعتبر ملاذات ضريبية وتتوافق هذه التدفقات المالية غير المشروعة مع ما مجموعه 5٪ من المساعدات الإنمائية التي يمنحها البنك الدولي للبلدان المعنية ويرتفع هذا المعدل إلى 15٪ بالنسبة للبلدان السبعة التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات المقدمة من المؤسسة (بوروندي ، غينيا بيساو ، إريتريا ، ملاوي ، سيراليون ، أوغندا ، موزمبيق).
وفي ما يتعلق بموريتانيا فقد أظهرت الدراسة أنه قد تم تهريب مبلغ 32 مليون دولار خلال الفترة 1990 حتى 2010 إلى بنوك تمثل ملاذات ضريبية مثل لكسومبرغ و سويسرا حيث كانت تمويلات البنك الدولي عن هذه الفترة تمثل 2.1% في حين كانت المبالغ المحولة إلى بنوك دول لا تمثل ملاذات ضريبية في حدود 150 مليون دولار، وكان معدل النمو الفصلي للودائع في الملاذات الضريبية يساوي 2.14 أكبر بقليل منه في البنوك التي لا تمثل ملاذات ضريبية حيث يساوي 2.7%.



وما يمكن استنتاجه من هذه الأرقام أن موريتانيا خسرت مبالغ كبيرة كانت لتشكل رافدا مهما لعملية التنمية، على الرغم من الأرقام المتفائلة التي تعلنها الحكومات الموريتانية عقب فترة هذه الدراسة، حيث سيكون الشك يراودنا حيالها، فعلى الرغم من أن الأنظمة تتغير إلا أنها تبقى محافظة على جوهرها المتين الذي يُعتمد عليه في وضع السياسة العامة كما أن مؤشرات مدركات الفساد هي الأخرى – انظر مقال سابق بعنوان : الاقتراض الخارجي والفساد... لماذا نرهن أنفسنا؟ - تمنعنا من التفائل بالارقام التي يُعلن عنها تباعا.
وبشكل عام، فقد خلصت الدراسة إلى أن المدفوعات إلى الدول التي تعادل 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي (موريتانيا تساوي 2.1%)  في ربع معين، تؤدي إلى زيادة ملحوظة إحصائياً في ودائع الملاذ بنحو 3.4 في المائة، وبالوضع في الاعتبار أن موريتانيا كانت تقدم أرقاما مغلوطة لمؤسسات التمويل الدولية و كذا بيانات الجدول أعلاه، ثم مَرْتبة موريتانيا المتدنية في مؤشر مدركات الفساد، لا يسمح لنا إلا أن نخلص إلى أننا ضحية عملية سرقة كبيرة لتمويلات سندفعها لاحقا مرغمين و بحجم مضاعف نتيجة معدلات الفائدة المتراكمة بفعل عمليات إعادة الجدولة الدائمة.

إقرأ أيضا :






الأربعاء، 15 يناير 2020

موريتانيا تخسر 13.8 مليون دولار بسبب الحظر على الانترنت سنة 2019




أظهرت دراسة أعدها موقع Top10VPN.com أحد أفضل مواقع مراجعة VPN على مستوى العالم  أن إفريقيا جنوب الصحراء تتكبد خسارة مالية قدرها 2.16 مليار دولار عن 7800 ساعة من تعطل الانترنت سنة 2019 بسبب العديد من القيود على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

هذا وقد عرفت موريتانيا خسارة لمبلغ 13.8 مليون دولار عن 264 ساعة حظر انترنت ، علما أن عدد المستخدمين للانترنت في موريتانيا يناهز 0.9 مليون مستخدم. جدير بالذكر أن موريتانيا تعطل الانترنت أيام المسابقات الوطنية كما عطلتها لمدة أسبوع تقريبا بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

 فيما يتكبد العالم  خسارة قدرها 8.05 مليار دولار ، أي أن إفريقيا جنوب الصحراء تخسر ما يمثل 26.8% من التكاليف العالمية بسبب القيود على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

وقد حلت تشاد في المرتبة الأولى كأكثر دولة قيودا على الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي استمر 4728 ساعة وتسبب في خسارة مالية قدرها 125.9 مليون دولار.

وقد  كشف top10vpn.com أن عمليات الحظر للوصول إلى الإنترنت أو الوصول إلى الشبكات الاجتماعية في عام 2019 حدث في أغلب الأحيان استجابة للمظاهرات أو الاضطرابات المدنية ، خاصة في سياق الانتخابات ، لتقييد تدفق المعلومات والحفاظ على السيطرة على السكان.


الأربعاء، 8 يناير 2020

الاقتراض الخارجي والفساد... لماذا نرهن أنفسنا؟



في أغسطس 1982 أعلن وزير مالية المكسيك " خيسوس سيلفا ايرزوغ "  أن المكسيك لن تتمكن بعد الآن من سداد ديونها، وأعلنت المكسيك أنها لا تستطيع الوفاء بمواعيد استحقاق دفعاتها، وقررت من جانب واحد قرارًا رسميًا بتأجيل دفع الديون المستحقة لمدة 90 يومًا؛ كما طلبت إعادة التفاوض على فترات السداد وقروض جديدة من أجل الوفاء بالتزاماتها السابقة.
و خلال الفترة من 1975 و1982، ارتفعت ديون أمريكا اللاتينية "  للبنوك التجارية" بمعدل سنوي تراكمي قدره 20.4%  وقد زادت ديون أمريكا اللاتينية الخارجية إلى أربعة أضعاف من 75 بليون دولار أمريكي في عام 1975 إلى أكثر من 315 بليون دولار في عام 1983، أي 50% من الناتج المحلي الإجمالي ( PIB أو  GDP ) للمنطقة و نمت خدمة الديون على إثر ذلك.
يعتبر المثال السابق مجرد لمحة عما تعنيه الديون التي إن خضنا في جدوائيتها لن يكفيها كتاب كامل، و على الرغم من أن أمريكا اللاتينية قد استدانت لتحول اقتصادها إلى اقتصاد تصنيع لعله يشهد انطلاقة تجعلها في مصاف الدول المتقدمة، إلا أنه يتبين أننا في موريتانيا نستدين فقط من أجل الاستدانة، على الأقل هذا ما يظهر للعيان، فقد تضاعفت الديون منذ 2007 حتى 2018 بشكل مخيف (الشكل 2)، ورغم ذلك لازلنا نستدين و ما يزال الاقتصاد الوطني يعاني، أتحدث هنا عن ما يعيشه المواطن العادي يوميا، فهو لم يشهد أي تحسن على مستوى معيشته، و عليه يكون السؤال، أي فائدة أجنيها كمواطن من هذه الديون التي تتضاعف سنويا من أجل مشاريع لا تلامس حياتي اليومية، أليست مجرد آمالا زائفة لا أكثر وعبئا تتحمله الدولة دون فائدة؟ 
تنقسم الديون في شقها الخارجي إلى قسمين أو ثلاثة ، قسم يسمى الديون ثنائية الأطراف، وهي تلك التي تنشأ بين دولتين، و قسم مع بعض التكتلات الإقتصادية مثل " نادي باريز" وقسم مع صندوق النقد الدولي، كما تتميز نسبة الفائدة على هذه الديون بكونها قليلة نسبيا و مع فترات سماح قد تصل خمس أو عشر سنوات، لكن المشكلة لا تنشأ هنا، بل حين تعجز الدولة الموريتانية عن سداد الأقساط مع الفائدة (خدمة الدين)، فالدولة التي تستدين ينبغي ألا تخرج عن خيارين، إما أنها ستستثمر في مشاريع عمومية ستعود بمنفعة كبيرة على الاقتصاد، بالتالي يحدث نمو مستقبلي في أفق سنوات سيسمح بسداد هذه الديون في فترات استحقاقها، و إما أنه تمت الاستدانة نتيجة مورد اقتصادي ما سينتج عن تصديره قضاء هذه الديون (أقساطا وفائدة). و تتميز الديون الثنائية بأنها الأكثر خطرا على الدولة، يليها صندوق النقد الدولي، فحين تعجز عن السداد سيكون للدولة الدائنة خيارين، إما أن توافق على جدولة الدين و هنا ستزيد نسبة الفائدة على الدولة المدينة وتتضاعف الديون بعد ذلك أو ينشأ عن ذلك فقدان السيادة الوطنية حين تطلب الدولة الدائنة (أي الدولة التي تطالبنا بدين) أرضا مقابل ديونها أو تفرض تفضيلا لها في صفقات عمومية قد لا تكون الشركات التي تمثلها في المزاد الأفضل في المجال، بالتالي سنكون مرغمين على القبول برغم ذلك، أو أن نضطر لاتخاذ مواقف خارجية قد لا تخدم مصالحنا الاستيراتيجية أو القومية أو قد تكلفنا فقدان فرص اقتصادية أفضل، فقط لأننا مرهونين لهذه الدولة أو تلك، وفي كل الحالات فإننا فقدنا سيادتنا بسبب ديون لم نوظفها بالشكل المطلوب. الخطر الذي أضعه في المرتبة الثانية هو خطر الاستدانة من  صندوق النقد الدولي، إذ إنه يتدخل مباشرة في موضوع السيادة، فحين تعجز عن السداد تكون أوامره التي تأتي في شكل  " توصيات " سيفا مسلطا على رقبة أي حكومة، هذ التوصيات التي تأتي في شكل سياسات الحد من الإنفاق العمومي عبر خصخصة  الشركات العمومية و بالتالي عمالة كثيرة و مشاكل اجتماعية لا تنتهي كما سنرى.

 
إن القارئ لمؤشرات مدركات الفساد سيلاحظ الرتب التي تحتلها موريتانيا من بين الدول الأكثر فساد عن جدارة واستحقاق، فهي دائما بعد المائة في كل التقارير (أنظر الشكل 1) و لست بحاجة للتذكير أنه كلما كثر الفساد وانتشر كلما عجزت الدولة و فشلت في كل التزاماتها الخارجية، إذ أن انعدام المسئولية و غياب الوطنية هي السمة السائدة و كلٌ يهتم فقط بحاجته و حاجة أسرته وقبيلته بالدرجة الأولى ولتفلس الدولة وتغرق في الديون كما تشاء.




 إن التجارب السابقة في الاستدانة لا تشجع، فلا ديون الكويت المتراكمة و لا تضاعف الدين الخارجي بشكل عام (الشكل رقم 2) توحي بأننا قاديرن على التخلص من هذا العبء الثقيل، و هنا سيكون على الدولة الوفاء بالتزاماتها و تسديد هذه الديون، وبما أننا دولة يسطر عليها الفساد فسنلجأ دائما إلى جدولة تواريخ السداد ما يعني تضاعف مبالغ الدين و الضحية هم الأجيال اللاحقة.



إن بلدا بمواصفات موريتانيا يطغى عليه الفساد، كما يشير مؤشر مدركات الفساد، حريٌ به أن يدرك أن المستقبل ليس في صالحه بهذ الشكل من الاستدانة بحيث أن الدين الخارجي أصبح يمثل أكثر من 80% من ناتجه الإجمالي، و الغريب حقا هو أن موريتانيا التي تزيد قليلا عن أربعة ملايين نسمة تلجأ للاستدانة برغم الثروة المعدنية والحيوانية والسمكية الهائلة، و المثير للاستغراب أكثر أنها ترزح تحت الديون دون أن تلجأ إلى إنشاء مشروع قومي ذا مردود مادي يسمح لها بالاستغناء عن الاستدانة، و الاستدانة من البنوك التجارية الدولية بشكل خاص التي لا تسامح البتة في تحصيل ديونها، إذ قد نجد أنفسنا مضطرين بعد سنوات لتقاسم ملكية ميناء نواكشوط المستقبل مثلا و ليس تأجيره أو نضطر لبيع جزء من أراضينا لقضاء ديوننا بسبب أن مجموعة من الفاسدين لا همَّ لهم سوى نفخ حساباتهم البنكية، و إذا ما قُدّر لهم إقامة مشاريع فغالبا ما تكون فاشلة و النتيجة ديونا تتراكم.
إن مشكلة تراكم هذه الديون ليس في تأثيرها المستقبلي، بل هل ما لدينا من الموارد الأولية يسمح لنا بسدادها لاحقا أخذا في الحسبان الفساد المستشري، فبرغم الاكتشافات الأخيرة إلا أن تجربة النفط والآمال الزائفة التي بنيت عليها تجعلنا نتوجس من أي أمل حتى ولو كان الغاز المستقبلي.
ما الذي سيحدث؟ 
بمجرد أن تعجز الدولة عن سداد ديونها، ستهرب الاستثمارات الاجنبية المباشرة و ستزيد معدلات البطالة و تنتشر المساكل الاجتماعية أكثر. ففي أمريكا اللاتينية تسببت الأزمة في انخفاض معدل الدخل الفردي وزيادة الفقر مع زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء بشكل كبير، بسبب انخفاض معدل العمالة، ما اضطر الأطفال والشباب إلى الاتجار بالمخدرات والدعارة والإرهاب، كما أدى معدل العمالة المنخفض إلى تفاقم العديد من المشاكل مثل القتل والجريمة وجعل الدول المتضررة أماكن غير مرغوب العيش فيها.

مواضيع ذات صلة:


ماذا تعني الديون الخارجية الموريتانية ومن يتحمل سدادها ؟

ديون موريتانيا الخارجية وبالوعة الجنرال محمد ولد عبد العزيز

نظام العسكر... ديون تتحملها الأجيال القادمة!










رأيكم يهمني

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

blogtopsites'