الاثنين، 29 أبريل 2019

قصة قصيرة : حب مخاطي عابر



كانت الساعة في حدود منتصف النهار و ست دقائق و ثوان قليلة،  الدقيقة السادسة قد اكتملت للتو و بدأت السابعة، هكذا هي ساعة هاتفي شبه الذكي. و على هذا التوقيت أطل بكرشه المرتعد و حقيبة يده التي تعود لمؤتمر تعليمي بشأن تعليم الكبار منذ حكم #معاوية الخير، هكذا يكرر دائما حين تتسائل معه عن عدد الحقائب المنتشرة كالفطر في سوق العاصمة.
اللثام من نوع  " توبيت "غير الأصلية، انحناءة رأسه تجعلني أقدر طول لثامه بأربعة أمتار تقريبا، يلفها بفوضوية غير مريحة، لتبدو ككوبرا برية في وضعية خنق ضحية تعيسة.
قال - في الحقيقة، ريقه سبق قوله - قال " أنتم لصوص لقد استغليتم جهلي للايقاع بي، أنا أعرفكم كما اعرف إبني العاق الذي رفض القدوم معي رغم كبر سني".
تناولت منديل " كلينكس" أزلت ريقه، أدرت وجهي عن نَفَسه المتلاحق كرائحة مخلفات رطبة.
قلت مصطنعا هدوءا كاذبا، انتظر، كل شيء قابل للحل، ستنال حقوقك كاملة. لم تكن ابتسامته التي أهداني لتغير من وضعي شيئا، في الحقيقة أسنانه لم تعد موجودة، أو لنقل صراحة أن بقاياها الآيلة  للزوال، بحاجة لصيانة عاجلة عند متخصص محترف.
جلس، أخيرا ، حوالي سبعون كلغ من اللحم والعظام المفتقدة للكالسيوم تهادت داخل مقعد جانبي مريح، تعرفون تلك الحالة حين تغوص بقية جثة زائد الوزن  في مقعد جلدي وثير، يشعر أنه ينزل بهدوء وبراحة غريبة.
مد يده المرتعشة، التقط ورقة قديمة من زاويتها، لوّح بها كالمشمئز من منديل " اكلنكس" مستعمل في إزالة مخاط  لزج، ثم قال، هذا عقد عملي الأول قبل أن يولد أبوك، ثم أردف جملته الشهيرة، عقدي حين كان يمكنك شراء قطعة أرضية كبيرة في الميناء بشاة غنم أو ضأن.
رن هاتفه " السامسونگ" تلقى دعوة عاجلة، وضب أوراقه، ثم نظر إلي شزرا، وقال؛ لي معك لقاء آخر.

الخميس، 11 أبريل 2019

قصة قصيرة : منعطف


**الأسماء الواردة هنا لا تمت بأي صلة للواقع
بعد صراع داخلي قوي جدا، أمسك رأس الخيط. فتح حسابه الشخصي على الفيسبوك في القهوة الواقعة قبالة سفارة فلسطين، أخذ يمسح بتلقائية، بل بعنف ألكتروني غريب. إن التاريخ السيء لا يستحق أن يبقى ثانية واحدة، قال في قرارة نفسه و بطريقة لا يبدو أن لا أحد كان يتوقعها، مستقبلي ليس هنا، إنه في الطريق الآخر بكل تأكيد، هكذا تمتم بصوت خفيض.
انتهت المهمة، دخل مسرعا، لا يجب أن يتهاون كي لا يتراجع، الخطة تحتاج قوة، صلابة ، إقدام و أبهة. تعال يا صديقي، تعرف السيد الوزير، وزير المالية؟! نعم أعرفه، أجاب الحلاق بغرابة و ابتسامة بلهاء مصطنعة، ثم أردف، ما به؟. هل رأيت طلته البهية مساء أمس على قناة الموريتانية الرائدة، وهو يعلق على اجتماع مجلس الوزراء؟ كان الحلاق قد بدأ يمل و أحذية الزبائن تصدر صوتا مزعجا على البلاط القديم علامة الملل، قال، كان يزين رأسه الكبير علامة الذكاء بلمسة حلاق ذكي، أريد مثلها تماما.
ضحك الحلاق، هز رأسه موافقة، انهمك الجميع في هواتفهم، اثنان فقط دخلا محرك البحث، كتب أحدهما " اجتماع مجلس الوزراء، المختار ولد اجاي، قناة الموريتانية "
كانت الأفكار تتوارد باستمرار، أنواع الحلاقة تترى، حتى إن حلاقة السيد/سيدنا عالي خطرت بباله، لقد استرجع تواريخ قديمة وحديثة، تاريخ محمد الأمين الدده، محمد سالم ، يعقوب و سيدي ولد سالك. لقد كانت حلاقتهم في غاية الروعة، الاختلاف فقط كان يمنعه من الإقرار بذلك.
انتهت حلاقته، نظر في المرآت مزهوا، ضربة خفيفة على رقبته لإزالة العوالق، أو لعله يتحسسها، لطالما كانت تشعره بفقر الدم، أو فقر الجيب، هكذا ذكّرته نفسه الحاملة لمسحة سخرية دائما.
دلف مسرعا إلى شقته في الدور الثالث، جمع كتابين عتيدين مرميان بلا مبالاة، كتاب سيكولوجية الجماهير لجوستاف لوبون، و آخر لم أعد أذكره الآن، أظنها رواية لم يقرأها أبدا، إنها المطالعة الزائفة كما أحببت و إياه إطلاقها على بعض المتنطعين و مدعي الثقافة، أزال لافتتين ورقيتين كتب على إحداهما بحبر جاف، (الحرية للشعب)، ثم مخلفات فكرية لا تدر دخلا ماديا.
عطرا فرنسيا من طراز رفيع، لطالما أخذت منه دون علمه، الآن أقولها بكل صراحة، لقد سرقت عطرك، أظنني استحققتها، أغرق نفسه كعادته حين يكون متجها لـ" فور امورة " بمنطقة " بريميير" ثم أخذ هاتفه المعتاد، طالما حلم بتغييره و استبداله بآخر لا " يحرن" كان الرقم المطلوب غريبا و جميلا وغير مسجل على ما يبدو، رن الهاتف، أغلق الباب خلفه. لقد كان ذلك آخر عهدي به.
___
بالود

رأيكم يهمني

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

blogtopsites'