الخميس، 28 يناير 2016

الخـــــــــــــــــــــــــلاص

هذه القصة منشورة في موقع ثقافات هنا





وقف في غرفته وحيدا ، شاخصا بناظريه باتجاه الصورة العتيقة ، المثبتة على جدار غرفته الشمالي، تثاءب ، تمطى، ثم قال ، لو وهبتني قوة أتغلب بها على عبادك المارقين ، الخارجين عن طاعتك لحوّلت هذه الأرض التعيسة الى جنة دنيوية، هبني قوة أقهرهم بها حتى يتبعون وحيك المقدس، ثم جثم على ركبتيه وأعاد نفس الدعاء حرفيا.
كان يرتدي " فانيلته " القديمة نفسها، إنها مباركة ، بل جزءا من طقوسه اليومية التي لا تتم بدونها. بعد إتمام الطقوس كانت الدموع تنهمر من عينيه خشوعا، عاد لنومه ففانيلته المقدسة تمكنه من نوم هادئ وفي رعاية الرب.
استيقظ مبكرا فمجموعة المارقين تحتاج لقوة جبارة تلك التي يستمدها من جسد الرب الواقف دوما في تلك الصورة المقدسة، مستعدا لتلبية نداء عبده الفقير الصالح.
الخطوة الأولى تتمثل في القضاء فكريا على معتقدات الفساق الوثنية، نهض، أخذ ورقة وقلم وخط بأنامله التي تقطر وحيا طازجا أول سطر في المسيرة العظيمة ( إليكم أيها الكفرة، اعلموا أنكم قد ضللتم وسلكتم طريق جهنم ، إني آت إليكم لأخلصكم من ربقة الشيطان الرجيم....فلتستعدوا إني قادم إليكم..)، ثم لف الورقة نصفين متساويين بطريقة طقوسية جميلة بانتظار بقية الوحي.
وضع الورقة خلف صورة الرب المعلقة على الجدار لتكتسي قدسية مضاعفة، وجلس يتأمل!، ثم أخذت أسئلة كثيرة تدور في رأسه ( كيف لهؤلاء أن يفتروا على الله؟ ، كيف لهم يا ربي أن يكذبوا عليك؟ ، اللهم ارزقني قوة كافية لأخلص عبادك المستضعفين، الظلم والقهر والتجبر، هل هذا معقول؟ ، ثم عدل من جلسته ونظر الى سماء غرفته الضيقة وجال بناظريه كثيرا كمن ينتظر شيئا، أخيرا أعاد النظر إلى الصورة ، إلى ربه المتمثل في تلك الصورة التي طالما أعانته بركتها، لقد اعتبرها ربا مخلصا منذ تلك اللحظة التاريخية التي لا تنسى، إنه يحتفظ بها لنفسه فهي علامة الرضى وهو شيء بينه وبين ربه.
عاد و أخذ الورقة وفتحها بهدوء تام كمن يحافظ على شيء بالي من التمزق عند أول لمسة، ثم أفرج عن ضحكة عريضة حتى بانت أسنان فكيه بشكل كامل، قال: تلك هي اللحظة المنتظرة، وبدأ يكتب ( تعرفون أن الرب لا يمكن أن يظلم ، إنه عادل تماما، لقد خلقنا لنعبده، لا أن يَعْبُد بعضنا بعضا، لقد قسمنا أشكالا وألوانا، ورسم لنا طريقا تقرب إليه، هكذا فهمت من ربي، فهل يمكن أن أكون مخطئا؟، أما هو فلا يخطئ، بل هو الصواب والصح بعينه، هذه أول الوصايا وستأتيكم البقية بالترتيب ولن تنقطع عنكم حتى تهتدوا، إني أخشى أن يصيبكم غضبٌ من ربكم بسبب افتراءكم وكذبكم).
أعاد الورقة خلف الصورة لتكتسب قدسية إضافية، فهي موجهة لقوم لا يفقهون. بعد وقت وجيز أخذ الورقة وفتحها بالطريقة عينها، وأعاد قراءتها بهدوء تام ، وعينيه يشع منهما بريق مضيئ انعكس عليهما من النور الذي ينبعث من الورقة بين يديه. انتهى من القراءة ، طوى الورقة ، ثم جلب ظرفا أنيقا ووضعها داخله بعناية شديدة وكتب عليه، إلى عباد الله الضالين،،،إليكم الخلاص وكتب على وجه الظرف الآخر " العبد الصالح ".
نزل السلم بهدوء ، بعث الرسالة عبر البريد، ثم عاد ، جلس في غرفته منتظرا ردة الفعل التي ستحدثها تلك الرسالة المقدسة. كانت جريدة " الضمير الحي" الوحيدة التي تصدر في اليوم الموالي، لقد اختارها عن قصد، هي الأكثر قراءة، والأكثر نضجا والأكثر توزيعا في الأماكن حيث يكثر الظلم باسم الله ، البريء طبعا من كل ما ينسب إليه زورا وبهتانا.
أزاح نظارته السميكة ، وضعها على منضدة الكتب بجانبه، بدأ يفرك عينيه الدامعتين باستمرار، يتمنى في أعماق نفسه أن تكون خطوة موفقة تلك التي بدأ بها مسيرة الخلاص، أو مسيرة النقاء كما يحلو له أن يسميها.
فتح نافذته المطلة على الشارع العام كعادته كل صباح ، أغلق النافذة ، خرج ووقف في الشرفة، هناك ضجيج قوي آت من بعيد، استمع بإنصات شديد، بدأ الصوت يقترب شيئا فشيئا، والكلمات تأخذ طريقها إلى مسامعه بشكل أوضح، ثم انبثقت جموع هائلة كالموج من الجهة المقابلة له تماما، كان الناس يحملون صورا مكبرة لم تكن من القرب بحيث يتبينها، لكن الكلمات تقول، أقتلوا الكافر ، اقتلوا الزنديق، نحن أهل الحق، انت الضال الفاسق، دلف إلى الداخل ، أغلق باب غرفته المطل على الشرفة بإحكام شديد وجثم أمام تلك الصورة وقال: يا رب لقد بدأت المعركة فانصرني على القوم الضالين، انت القوي، انت القادر، اني أتخيل صورتك النقية التي تجلت لنبيك الكليم ليتغلب على أعداء الإيمان.

رأيكم يهمني

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

blogtopsites'