السبت، 22 أكتوبر 2016

قصة قصيرة : لَسْتَ رَجُلاً


   
في تلك اللحظة الهادئة، اجتاحني ذلك الشعور المفاجئ، لم تكن لحظة مناسبة شيئا ما ، كانت مليئة بالتأمل ، لحظة لا وعي، سبات عميق ، شعور لا إرادي مبهر، كنت استحضر لحظات حاسمة مررت بها إبان تجربة فاشلة ،قاسية،لا أعرف كيف اقتحم ذلك الشعور المقيت سكوني النادر ذاك و في فترة خواء شعوري فريدة.
 استجمعت كل قواي العاطفية و كلماتي اللطيفة، الساحرة، رتبتها في ذهني بعناية، أنتظر اللحظة المناسبة لانقض عليها في وقت لا تملك فيها مناعة ضد شعوري الجارف، لكن تلك اللحظة لم تحن، على الأقل في ذلك التوقيت المشهود، أو ربما لم أجد القوة الكافية. لقد قال زميلي إني أضعف في اللحظات المناسبة دائما، وهكذا تفوتني الفرصة باستمرار، لقد قال لي ذات مرة ، أنت مستودع الكلمات العاطفية لأنك لا تقدر على البوح بها أبدا، لقد جرحني بعمق  في رجولتي، في كرامتي كعاشق.
 قررت أن أدخل في تلك العملية الانتحارية اللطيفة، انتظرت كالعادة على قارعة الطريق الأبدي الاعتيادي، مركزا على الاتجاه الذي سيطلع منه البدر، إنه بدر الصباح الباكر، المارة يرمقونني بنظرات باردة وغريبة، قلت في نفسي لعلهم لاحظوا وجودي في هذا المكان باستمرار، تجاهلتهم وركزت ناظري في اتجاه الشروق بثبات لا يلين، أكاد لا ترمش عيناي، لقد حزمت أمري ، سأمطرها بمكنونات قلبي التي باتت تأرقنى.
 في لحظة سهو لا إرادية، مر بي طيف عطرها الأخاذ، لقد تعودت عليه من كثرة ما لحقتها من مكان إلى آخر و بصمت قاسي مرْ.
 في تلك اللحظة بدأتْ جينات رجولتي في فوران شديد، ألحق بها؟ ستصدني، أأقول لها ؟ ستتجاهلني، ماذا أصنع؟ ، ضاعت في زحام بشري هادر ، لم أتبينها، لقد تاهت وتاه أملي، لقد فشلت، وعاودتني عبارات صديقي الحميم، أنت فاشل من هذه الناحية، قلبت هذه الكلمات في رأسي مئات المرات، عزمت على إثبات العكس في أول فرصة سانحة.
 في اليوم الموالي، وقفت في نفس المكان ، نفس المارة ونفس النظرات المستفسرة، وبعد برهة يغمرني ذلك الطيف الجميل، تنحنحت قليلا ، أستعد للكلام، لم تلتفت وكأنها لم تسمع صوتي على الرغم من قربها، قلت في نفسي لعلها لا تريدني، ويجب ألا أعرض نفسي للمهانة، كانت قد ابتعدت عدة أمتار، لم أجد نفسي إلا وأنا اندفع خلفها بعنف شديد، وقلت لها جملة واحدة، سيدتي ما اسمك ؟! هكذا دون مقدمات، أجابتني ، نعم !؟، شعرت بضعف لا يوصف، قلت مكررا : ما اسمك؟، ماذا تريد من إسمي؟، وابتسامة تعلو محياها البهي، لا فقط أراك كل يوم وأحببت أن أتعرف عليك، قالت بسرعة خاطفة، أعرف!، تعرفين!، تعرفين ماذا ؟ لا شيء، إسمي زينب، هل أعرف المناسبة؟ عقد لساني ولم اعرف بم أجيب ولا بم أمهد لكلامي، فقط اندفعت بفعل الهيجان الذي خلفه لدي كلامها، أنا أحبك، أحبك منذ بدأت تسلكين ذلك الطريق المرسوم في ذهنك بدقة متناهية ، أقصد في ذهني، الطريق من حيث يبدأ من طرف حيكم الجميل، انتهاءً بهذا المكان حيث سينتهي تعبي ،هذا ما يخبرني به شعوري، أنتِ من الآن من نصيب قلبي، هذه مفاجأة لك صحيح، ولكنني تعبت من الانتظار.

 نظرت إلي بعينين باردتين زائغتين وقالت بهدوء مريع، أعرف. قلت بنفاد صبر تعرفين ماذا؟ قالت : أعرف أنك لست رجلا هكذا استنتجت منذ اللحظة الأولى و أنا لا أحب الرجال غير القاطعين، وغابت في بحر بشر متلاطم، وبقيت غارقا في ذهول أشبه بالجنون.

السبت، 8 أكتوبر 2016

قصة قصيرة: السالك ولد خطري





* أي تشابه في الأسماء فهو محض صدفة

دخلت مريم مسرعة إلى غرفة النوع، كان وجهها جميلا كالقمر ، بفعل المواد التجميلية التي غطّته بها بطريقة متناسقة بحيث يستحيل ألا يفتتن بها أي رجل تلتقيه  ثم  قالت: كل الترتيبات باتت جاهزة و أهل العريس وذويه اتصلوا علي ليخبروني أنهم في الطريق إلينا في الموضوع الذي تناقشنا فيه ليلة الجمعة الماضية لمّا كنا نقضي عطلتنا في واد الناقة، ألا تذكره؟ هيا تجهز بسرعة لكي تستقبل الضيوف الرجال في الصالون المخصص لهم وأنا سأستقبل السيدات في الصالون المخصص لهن، لكن، لحد الساعة لم يأت محمود السائق ، لقد أرسلته إلى سوق " كبتال " ليجلب لي ملحفتي من عند سمِيَّتي مريم.
أطلق محمد الأمين طلقتين في الهواء ليوقف المهربين ، لأنه تأكد أنهم ليسوا أولائك الذين يعرفهم جيدا في فيافي " أكجوجت " لطالما اتفقوا جميعا على نقطة التجمع، فليس الوقت ملائم لمثل هكذا أمور غير مبرمجة، فالتحضير للعرس في مراحله النهائية وهذا ما لم يقبل به القائد. يجب أن تكون كل الأمور مرتبة تماما، بحيث لا يتعكر صفو القائد، فهو مشغول بالتحضير لمستقبل ابنته والترتيب لزفافها مع أحد أبناء أسرة أهل الركاد ، الأسرة الغنية عن التعريف والتي تملك شركات متعددة للأشغال العامة.
دخلت عليه مريم وهو لا يزال متجهم الوجه، لم يستعد بتاتا للضيوف، قالت والهلع باد عليها: ما بالك!، ماذا تنتظر؟ الوقت يداهمنا ، أسرع. كان جوابه صادما وغير متوقع، قال وبكل لامبالاة، اهتمي أنت بالموضوع ورتبي كل شيء، أوافق على كل ما ستقومون به، تعرفين ذلك جيدا. أشعل سيجارة مالبورو واستلقى على قفاه وشرد بعيدا بعيدا جدا، يبدو حزينا أو أن هناك ما يشغله لكنه يرفض الحديث. ضربت كفيها ببعضهم البعض متحسرة ثم خرجت إلى الضيوف فالوقت لا يسمح بكثير من الجدال.
بدأت القصة التي جرت الليلة الماضية تعتمل في مخيلته من جديد، يحرك يده اليمنى  و كأنه يرى وجه يده وقفاها لأول مرة، كان كمن يحدث نفسه، كيف، لدي إبنة على وشك أن تتزوج، كيف إذا بي لا أقدر على ذلك، ما بال مريم لم تقل أي شيء، فهي تعلم ما أعانيه كل ليلة، أتراها تخونني؟ غير معقول ما يجري !، أنا لا ألبي لها رغبتها ومع ذلك لا تعترض، لا شك أن لديها ما يعوضها عن إخفاقي، يجب أن أرى ذلك بنفسي. رنّ هاتف السامسونج نوت 7 عن يمينه، ثم قال ماذا يريد هذا الغبي في هذا الوقت، ألا يعرف أنني مشغول، تَردد ، ثم بدون مقدمات، نعم ، ماذا هناك؟ من الطرف الآخر صوت مرتعش يلقي في وجهه الخبر، سيدي مجموعة من الشباب تتظاهر الآن أمام مقر المفوضية ، ماذا نفعل ؟، إنهم يحملون لافتات كتب عليها يسقط الجنرال السالك ولد خطري قائد الشرطة، يسقط  جنرال المخدرات، آسف سيدي الجنرال على هذه العبارات ولكنني أردت أن أنقل لك ما يجري بحذافيره حتى  تكون على علم تام بالموضوع، ليس هذا وحده إنهم يطالبون بإقالتك و سجنك آسف مرة أخرى يا سيدي. إسمع لا تتحركوا آنا قادم الآن.
في التاسعة و ثلاثة وعشرون دقيقة بالضبط يأتي اتصال غير متوقع، ينظر إلى الهاتف باستغراب، أهذا وقتك أنت الآخر، لطالما جلبت لي المتاعب، لا تستطيع أن تنجز أي مهمة بمفردك مع أن لديك كل الصلاحيات التي يمكن أن تحتاجها، كان يحدث نفسه فيما الهاتف يواصل الرنين. نعم محمد الأمين ماذا هناك الآن؟ قصد تلك " الآن " لأنه يعرف أن الأمر غير طبيعي، جاء الصوت من بعيد، سيدي الجنرال هناك مجموعة اشتبهنا في أمرها ، لكننا لم نستطع إمساكها، لقد اعتقدت أنها المجموعة المنتظرة، لكن يبدو الأمر غير ذلك، آلو ، آلو ..... يتقطع الصوت ثم يختفي محمد الامين من على شاشة السامسونج نوت 7 ،  الهاتف الذي تتصلون به خارج التغطية، جاء الرد واضحا جدا ، ماذا الآن أهذا وقته، يتصل بالهاتف اللاسلكي، ماذا! مغلق هو الآخر!، يرمي الهاتف بحنق فوق المقعد المجاور، أخذ الهاتف بسرعة، طرأت علي فكرة، إسمع أنت اصرف أولائك الشباب بأي شكل لا أريد لهم أثرا، لقد انشغلت قليلا و سأمر عليكم حالما أنتهي من موضوع طارئ.
أخذ يمرر إبهامه على شاشة الهاتف، يبحث عن رقم محدد، يتصل ، سلمى أنت في تفرغ زينة، جهزي الصالون أنا قادم، بعد لحظات يفتح الصالون ، رائحة عطر باريسي تستقبلك قبل أن تفتح باب تلك الشقة الموجودة في الطابق الثالث من شقق السالمية المفروشة في منطقة " أَهْ نُورْ ".
خرجت سيارة تويوتا يابانية تحمل خمسين عنصر شرطة مدججين بعدتهم القمعية، نزل القائد وبادر قائلا: اذهبوا من هنا ، لا نريد استعمال القوة الآن.
تتصل مريم، يتجاهلها المرة الأولى، تتصل مرة أخرى، يرد ، يأتيه صوت غاضب يسأل بعنف مبالغ فيه،  أين أنت؟، الضيوف يسألون عنك، ما الذي يجري؟، لم يرد، أنهى المكالمة، كم تجيد هذه الحية إفساد اللحظات المميزة، ينادي ، سلمى أين أنت ؟
يرن الهاتف من جديد، لم  يلتفت،  كم أنت مقرفة يا مريم ، يلعن في نفسه ، هذه الحية، يواصل الهاتف الرنين، يهم بقطع الإتصال، آه أنت أخيرا، جاءه صوت مبحوح ، ممزوج بهلع وخوف، سيدي لقد داهمتنا شرطة مكافحة المخدرات، عليك أن تتصرف، انتهت المكالمة فجأة يعيد الإتصال ، الهاتف مغلق، في نفس اللحظة ، اتصال آخر، يا لكم من جبناء، لا تستطيعون حل مشكلة لوحدكم، يرد دون إعطاء أي فرصة للمتصل للحديث ماهي المشكلة ، سيدي لقد فرقنا المتظاهرين بالقوة، أحدهم كسرت ذراعه، الآخر مغمى عليه و نقل الثالث إلى المستشفى و يبدو أنه.....ثم سكت.


رأيكم يهمني

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

blogtopsites'