رحيل زعيم وحداد نظام غشيم
فُجع العالم الحر برحيل المناضل الأشهر الزعيم نلسون مانديلا
(ماديبا)، رحيل قامة تفيض إنسانية و إخاء، قامة كرست حياتها للنضال من أجل الحرية
والمساواة، و تلقت على إثر ذلك أشنع الأوصاف و أقبح النعوت، لكن نسيم تلك الشخصية
أبى إلا أن يجوب العالم حاصدا تعاطف الشعوب التي تعرف منى الإنسانية والحب، فغنت
الفنانة الراحلة ديمي منت آب الأغنية الشهيرة والجميلة ضد نظام الفصل العنصري الذي
كان ماديبا واقفا ضده بكل شموخ، رحيل الزعيم المناضل خلق تعاطفا شعبيا إفريقيا
بالمقام الأول وعالميا تمثل في كلمات لمعظم الزعماء تأبينا له.
هذ التأبين وبكاء فقيد الحرية يمكن أن نتقبله لدى العالم الحر
، أما العالم الغارق في العنصرية والغبن واللامساواة فذلك يسمى نفاقا، بل يسمى نوعا
من القفز على المعاني السامية للإنسانية ومحاولة تجاوزها بشتى الطرق، ذلك العالم
غير الحر القابع في قاع العنصرية واللامساواة والتمييز يمثله النظام الموريتاني ،
هذا النظام الذي لا يخجل من نفسه ، نظام حيث تُكتشف يوميا حالات من العبودية
بمعناها التقليدي، حالات من امتهان كرامة الإنسان في القرن الواحد والعشرين، فبأي
وجه يا ترى استطاع هذا النظام أن يعلن حدادا على الزعيم (ماديبا)؟ ، أليس هذا نفاق
علنيا؟. نظام أعرب منذ أيام عن اعتراضه على جائزة أممية للمناضل الحقوقي (برام ولد
اعبيدي) ، أليس هذا تناقضا؟.
من يبكي المناضل العالمي (ماديبا) عليه أن يحارب العبودية والتمييز
ويحارب الفوارق الإقتصادية الشاسعة، عليه أن يحارب التمييز ضد المرأة وضد عمالة الأطفال ، نظام عليه ألا يكون قد احتل منذ
شهر تقريبا قمة الترتيب العالمي لمنظمة (وولك افري) من حيث ممارسة العبودية الحديثة
، ومع ذلك يتبجح بالحداد على رحيل (ماديبا).
نظاما يمثل التناقض في كل شيء عليه أن يخجل من نفسه، عليه أن يدفن
رأسه في التراب، بل عليه أن يختفي نهائيا، فالعالم اليوم لم يعد ميدانا للضحك على
الذقون ومحاولة خداع الإنسانية بعبارات وشعارات رنانة في العلن وعكس ذلك في السر.
هل يمكننا أن ننسى مأساة إنال؟ كيف تطاوع النظام نفسه بأن يبكي ماديبا
والعديد من المشاكل لا يزال مدفونا دون حل، بل يتم التعتيم عليها ووضعها ضمن
المحظورات، إذا كان النظام يبكي (ماديبا) حقا، أليس من المفروض أن يحل الكم الهائل
من المآسي العالقة؟
"لمعلمين" فئة هامة من المجتمع الموريتاني بدأت تطالب
بإنصافها ومعها حق في ذلك، و"لحراطين" كذلك، أليس من الإنصاف أن ينظر في
الواقع الإقتصادي الذي يعانيه معظمهم، ناهيك عن العبودية التي يعانيها كم هائل من
هذه الشريحة في المناطق الداخلية، ومع ذلك يصر النظام المتباكي أن يُنشئ منظمة
لمكافحة "آثار الإسترقاق" ولدت ميتة.
من ناحية أخرى دعونا نعرج قليلا على القوى الرجعية المتدثرة بلباس
المجتمع المدني، هذه المنظمات التي يحركها النظام الإنقلابي من وراء ستار عبر
مخابراته، دعونا نستدعى إعلان هذه المنظمات الكرتونية التي تدعي أنها (منظمات
مجتمع مدني)، لنقول ما شأن العالم بزعزعة استقرار نظام انقلابي مزعزع أصلا؟، ألا
يعرف النظام عديد المظاهرات والمطالب المشروعة يوميا، ألا تكفي هذه الوضعية
المزرية العالم من أن يتدخل في الشؤون الموريتانية المفضوحة أصلا.
علينا أن نعزز وحدتنا الوطنية لكن كيف؟ هل عن طريق الأغاني التافهة
والإجتماعات الباهتة من أجل الصور أو من أجل أن نظهر للعالم الخارجي كم نحن
صادقين، أم عن طريق فلم رخيص يجمع مجموعة من الجهلة يناقشون مسألة عميقة بسطحية مبتذلة،
ومثيرة للشفقة، أم عبر صورة تجمع يدين مبتورتين من الواقع المأساوي لنقول هذه هي
الوحدة الوطنية؟ ، أم عبر احتفالات كرنفالية بخرق صفراء وخضراء لا تقدم ولا تأخر؟
الوحدة الوطنية مسألة مقدسة تستدعي وضع النقاط على الحروق، تستدعي أن
نقول لفلان أنت أخطأت وستحاسب، إنها العدالة والمساواة بحيث يسمح للجميع بالشعور
بوطنيته، وتسمح للشخص بولوج أعلى المناصب وفق ما يسمح به تعليمه، إنها سلوك مدني
شفاف و إدارة واضحة للجميع بحيث يستطيع أي إنسان أن يمشي مرفوع الرأس لا يخاف لومة
لائم.
لكي يكون حدادنا وبكائنا على رائد الحرية نلسون مانديلا (ماديبا)
حقيقية وليس دموع تماسيح، علينا أن نحارب
العبودية بحق، علينا إنصاف "لمعلمين" علينا إنصاف "الزنوج"
ومعاملتهم كموريتانيين جديرين بموريتانيتهم وليس مشكوكا فيهم، علينا أن نكون
صادقين مع أنفسنا من أجل موريتانيا وليس العكس.