السبت، 21 مارس 2020

أَهلْ كُمْبَتَاهْ -صَبَاحَهْ


... وكُنَّ سيدات ستينيات، هكذا قدرت أعمارهن - مع أنه يُقال أنه من الصعب تقدير عمر السيدة - يتمايلن بفعل مرض التهاب المفاصل الشائع عند من في سنهن، يرتدين ملاحف، في الغالب سوداء أو غامقة اللون، لديهن مسحة تدين زائفة، لستُ هنا بوارد ذكر بوائقهن المثيرة، تسابيحهن حفرت آثارها في أرصاغهن الممتلئة، أجسادهن لا تكاد تستقيم، يميل الجزء العلوي إلى الأمام قليلا، من الرأس حتى أسفل الظهر، إلا أردافهن البارزة للخلف بشكل مبالغ فيه، في الحقيقة إن تلك الأرداف علامة مميزة لهن، فتضفي عليهن أشكالا غريبة، مُشكَّلات قوسا غير مكتمل حين تنظر لاحداهن من الرأس إلى القدمين. إحداهن تضع نظارة سوداء رخيصة، تلتصق بعينيها بشكل عجيب؛ بحيث يبدو حاجبيها الناتئين البارزين، كأنهما مظلتين على بئرتي النظارتين، قال صديقي المشاكس بسخريته الدائمة، وعطفا على هذه الملاحظة؛ يا للعجب، لديها مظلتان فوق نظارتيها الأبديتين، مالفائدة منهما إذا، حاجبيها يقومان بالمهمة؟!.
... لحظات، ضربة دفٍ هائلة من النوع الذي يهتز له قلبك، سيدتان على اليمين، اثنتان على الشمال، يبدو أنه أخذ شكله النهائي الجاهز للضرب المبرح. لا يمكن أن تكون تلك الضربة المزلزلة إلا للسيدة (... )، إنها حكاية أخرى، شارباها متدليان، يتدلى الأسفل منهما بشكل مبالغ فيه، تظهر وكأنها غاضبة أبدا، لا ترتدي أي قميص تحت ملحفتها، ليبدو جسمها الضئيل بمجرد أن ترفع إحدى يديها بمطرقة الطبل اليابسة، رأسها قليل الشعر، أشيب، تتقن مهنتها بعناية فائقة، لا تنفك تردد عبارات غير مفهومة، في خصام مع مجهول، حتى وهي لا تضرب الطبل. لا طعم و لاروح لأي عُرس لم تضرب فيه الطبل بيديها اليابستين المقشرتين، كسمكتين يابستين.
دائرة من نسوة سمروات، تبدو أعين أغلبهن غائرة، حمراء كالدم، تخلو وجوههن من أي مساحيق تجميل، فقط مجرد كحل بعيونهن يزيد أهدابهن سوادا، يتمايلن، تصدر أكفهن الجافة تصفيقا متناغما، حادا وجميلا، ترتمي أثدائهن إلى الأمام عند التمايل، لم تكن الصدريات شائعة الاستخدام حينها. تبدأ الأمسية بشبه هيللة، لكنها ليست كذلك، يقلن بعبارات غير مفهومة، حتى للسامع؛ (أَهَييْ أَيَّ هَاهْ) يكررنها مرات، بتناسق عجيب مع تصفيقهن.
 كان وقع الطرق على " الطبل" مميزا جدا، هكذا؛ ضربة أولى، ثم ثانية قبل اكتمال صدى الأولى ، و كأنها جاءت لتنهي الصدى بشكل كامل، ثم ثلاث ضرباب متتالية، كفيلة بجعل ذلك العجوز النحيل يقفز من فراشه، ينفض لثامه بطريقة مميزة مصدرا صوتا مثل طلقة رصاص من بعيد. يحمل فوق فيه شاربا معدا بشكل يليق بعجوز غير منظم، إنه في شكل شريط، قصير نوع ما بحيث يبدو كشارب هتلر.
كان - رحمه الله - مميزا في كل شيء، يرتدي - غالبا - قميصا ذا أزرار، وسروال "تشاية" أسود من توبيت، وحذاء من " الصمَّارة"، يزين منكبه بلثامه المطوي إلى حجم متر، أو حين يكوره ليضعه فوق رأسه في أيام الحر، أو حين يريد وضع خنشة اسمنت أو أرز فوق رأسه، أدوات التدخين خاصته محتلة على الدوام جيب قميصه المزرر فوق صدره مباشرة (بريكه، اعظم، بيت مليء بامنيجه وسُرّة إضافيه احتياطية في منديل أسود )
كان - يرحمه الله - صاحب صرخة عظيمة مجلجلة، بمجرد أن يأخذ مكانه في " المرجع"؛ يقف نصف وقفة، أعلى قليلا من وضع الركوع، أو لنقل ركوع من به علة بظهره، يمسك ركبتيه براحتي يديه، ثم يملأ رئتيه بالهواء ليقذفه بقوة مجلجبة مصدر تلك الصرخة الجميلة، يبدأ قفزاته الدائرية مثل الكنغر، حتى تتوالى التصفيقات بالطريقة المنظمة إياها، متبوعة بزغاريد لا تنتهي. يرفع ذراعيه الممدودين بشكل أفقي بالتساوي كجناحي غراب في وضع الطيران الحر، حين يفردها للاستراحة، يرفع رجله اليمنى في ذات الوقت، ثم تبدأ القفزات بآلية عجيبة، وبرغم اعتيادنا عليها، فنحن لا نمل من التسابق و الاصطفاف خلف النسوة مشرئبي الأعناق للمشاهدة.
لا تنتهي متعة الرقص الإيقاعي هنا، يكتمل المشهد حين تقفز تلك السيدة العجيبة، نحيلة أيضا ومدخنة شرهة، تضع نظارات طبية ذات حواف زرقاء، جميلة أيضاً، ربما تضفي نظارتها الطبية مسحة جمال إضافية، ترفع جناحيها ممسكة ملحفتها بكلتا يديها، بحيث تبدو منتفخة من منطقة الخصر، من الجانبين، ثم تقلد العجوز، في قفزاته، لكنها تصدر أصواتا مختلفة، فحين يصيح العجوز صيحته المعتادة " يزقط، كما يُقال"، تصدر هي فحيحا أو " مزمزة" متتالية، وقد تقول بتتابع موزون؛ ( أَيْ، أَيْ) مرة واحدة بفواصل بجزء من الثانية، ثم ثنائيات  ( أَيْ أَيْ- أَيْ أَيْ)  متتالية دون فواصل،  هنا تترك ملحفتها لتعود لوضعها الطبيعي، لتصدر عن يديها تصفيقات ثنائية متناغمة، يتبعها ما يشبه فحيحا متواصلا (أشششششش) تماما مثل تسرب الريح من خرطوم نفخ إطارات السيارة " ميشلان ".
أَهلْ كُمْبَتَاهْ ؛ نسوة عجيبات، لا يتعبن من تكرار نفس الأداء، فقد يقمن به مساء، ثم في فجر نفس اليوم، أو ما نسميه نحن ب " صَبَاحَهْ"، حيث تنطلق الرابعة فجرا ولا تنتهي إلا بعد صلاة الفجر، إنهن سيدات أكلهن الدهر، وبقيت ذكراهن مجلجلة.

... وكُنَّ سيدات ستينيات، هكذا قدرت أعمارهن - مع أنه يُقال أنه من الصعب تقدير عمر السيدة - يتمايلن بفعل مرض التهاب المفاصل الشائع عند من في سنهن، يرتدين ملاحف، في الغالب سوداء أو غامقة اللون، لديهن مسحة تدين زائفة، لستُ هنا بوارد ذكر بوائقهن المثيرة، تسابيحهن حفرت آثارها في أرصاغهن الممتلئة، أجسادهن لا تكاد تستقيم، يميل الجزء العلوي إلى الأمام قليلا، من الرأس حتى أسفل الظهر، إلا أردافهن البارزة للخلف بشكل مبالغ فيه، في الحقيقة إن تلك الأرداف علامة مميزة لهن، فتضفي عليهن أشكالا غريبة، مُشكَّلات قوسا غير مكتمل حين تنظر لاحداهن من الرأس إلى القدمين. إحداهن تضع نظارة سوداء رخيصة، تلتصق بعينيها بشكل عجيب؛ بحيث يبدو حاجبيها الناتئين البارزين، كأنهما مظلتين على بئرتي النظارتين، قال صديقي المشاكس بسخريته الدائمة، وعطفا على هذه الملاحظة؛ يا للعجب، لديها مظلتان فوق نظارتيها الأبديتين، مالفائدة منهما إذا، حاجبيها يقومان بالمهمة؟!.
... لحظات، ضربة دفٍ هائلة من النوع الذي يهتز له قلبك، سيدتان على اليمين، اثنتان على الشمال، يبدو أنه أخذ شكله النهائي الجاهز للضرب المبرح. لا يمكن أن تكون تلك الضربة المزلزلة إلا للسيدة (... )، إنها حكاية أخرى، شارباها متدليان، يتدلى الأسفل منهما بشكل مبالغ فيه، تظهر وكأنها غاضبة أبدا، لا ترتدي أي قميص تحت ملحفتها، ليبدو جسمها الضئيل بمجرد أن ترفع إحدى يديها بمطرقة الطبل اليابسة، رأسها قليل الشعر، أشيب، تتقن مهنتها بعناية فائقة، لا تنفك تردد عبارات غير مفهومة، في خصام مع مجهول، حتى وهي لا تضرب الطبل. لا طعم و لاروح لأي عُرس لم تضرب فيه الطبل بيديها اليابستين المقشرتين، كسمكتين يابستين.
دائرة من نسوة سمروات، تبدو أعين أغلبهن غائرة، حمراء كالدم، تخلو وجوههن من أي مساحيق تجميل، فقط مجرد كحل بعيونهن يزيد أهدابهن سوادا، يتمايلن، تصدر أكفهن الجافة تصفيقا متناغما، حادا وجميلا، ترتمي أثدائهن إلى الأمام عند التمايل، لم تكن الصدريات شائعة الاستخدام حينها. تبدأ الأمسية بشبه هيللة، لكنها ليست كذلك، يقلن بعبارات غير مفهومة، حتى للسامع؛ (أَهَييْ أَيَّ هَاهْ) يكررنها مرات، بتناسق عجيب مع تصفيقهن.
 كان وقع الطرق على " الطبل" مميزا جدا، هكذا؛ ضربة أولى، ثم ثانية قبل اكتمال صدى الأولى ، و كأنها جاءت لتنهي الصدى بشكل كامل، ثم ثلاث ضرباب متتالية، كفيلة بجعل ذلك العجوز النحيل يقفز من فراشه، ينفض لثامه بطريقة مميزة مصدرا صوتا مثل طلقة رصاص من بعيد. يحمل فوق فيه شاربا معدا بشكل يليق بعجوز غير منظم، إنه في شكل شريط، قصير نوع ما بحيث يبدو كشارب هتلر.
كان - رحمه الله - مميزا في كل شيء، يرتدي - غالبا - قميصا ذا أزرار، وسروال "تشاية" أسود من توبيت، وحذاء من " الصمَّارة"، يزين منكبه بلثامه المطوي إلى حجم متر، أو حين يكوره ليضعه فوق رأسه في أيام الحر، أو حين يريد وضع خنشة اسمنت أو أرز فوق رأسه، أدوات التدخين خاصته محتلة على الدوام جيب قميصه المزرر فوق صدره مباشرة (بريكه، اعظم، بيت مليء بامنيجه وسُرّة إضافيه احتياطية في منديل أسود )
كان - يرحمه الله - صاحب صرخة عظيمة مجلجلة، بمجرد أن يأخذ مكانه في " المرجع"؛ يقف نصف وقفة، أعلى قليلا من وضع الركوع، أو لنقل ركوع من به علة بظهره، يمسك ركبتيه براحتي يديه، ثم يملأ رئتيه بالهواء ليقذفه بقوة مجلجبة مصدر تلك الصرخة الجميلة، يبدأ قفزاته الدائرية مثل الكنغر، حتى تتوالى التصفيقات بالطريقة المنظمة إياها، متبوعة بزغاريد لا تنتهي. يرفع ذراعيه الممدودين بشكل أفقي بالتساوي كجناحي غراب في وضع الطيران الحر، حين يفردها للاستراحة، يرفع رجله اليمنى في ذات الوقت، ثم تبدأ القفزات بآلية عجيبة، وبرغم اعتيادنا عليها، فنحن لا نمل من التسابق و الاصطفاف خلف النسوة مشرئبي الأعناق للمشاهدة.
لا تنتهي متعة الرقص الإيقاعي هنا، يكتمل المشهد حين تقفز تلك السيدة العجيبة، نحيلة أيضا ومدخنة شرهة، تضع نظارات طبية ذات حواف زرقاء، جميلة أيضاً، ربما تضفي نظارتها الطبية مسحة جمال إضافية، ترفع جناحيها ممسكة ملحفتها بكلتا يديها، بحيث تبدو منتفخة من منطقة الخصر، من الجانبين، ثم تقلد العجوز، في قفزاته، لكنها تصدر أصواتا مختلفة، فحين يصيح العجوز صيحته المعتادة " يزقط، كما يُقال"، تصدر هي فحيحا أو " مزمزة" متتالية، وقد تقول بتتابع موزون؛ ( أَيْ، أَيْ) مرة واحدة بفواصل بجزء من الثانية، ثم ثنائيات  ( أَيْ أَيْ- أَيْ أَيْ)  متتالية دون فواصل،  هنا تترك ملحفتها لتعود لوضعها الطبيعي، لتصدر عن يديها تصفيقات ثنائية متناغمة، يتبعها ما يشبه فحيحا متواصلا (أشششششش) تماما مثل تسرب الريح من خرطوم نفخ إطارات السيارة " ميشلان ".
أَهلْ كُمْبَتَاهْ ؛ نسوة عجيبات، لا يتعبن من تكرار نفس الأداء، فقد يقمن به مساء، ثم في فجر نفس اليوم، أو ما نسميه نحن ب " صَبَاحَهْ"، حيث تنطلق الرابعة فجرا ولا تنتهي إلا بعد صلاة الفجر، إنهن سيدات أكلهن الدهر، وبقيت ذكراهن مجلجلة.

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

رأيكم يهمني

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

blogtopsites'