ليس هناك شك في أن موريتانيا تعيش هذه الفترة ظروفا صعبة على مختلف المستويات ،السياسية والاقتصادية و الإجتماعية والحقوقية، هذه الأخيرة التي تعود جذورها إلى عقود من تاريخ البلد ويعود بعضها الآخر إلى أحداث ماضية من هذا التاريخ المؤلم نفسه، وقد نجم عن ذلك حركة اجتماعية متزايدة مطالبة بتسوية الأوضاع الظالمة حسب بعض المنظمات، هذه الأوضاع التي يرزح تحتها شرائح من هذا المجتمع الذي هو بحاجة ملحة إلى نوع من التصالح مع نفسه من حتى يمكن أن ينعم بالسلام والرخاء.
لقد عرفت موريتانيا في نهاية ثمانينيات
و بداية تسعينيات القرن الماضي أحداثا مؤلمة إبان حكم الرئيس الانقلابي السابق معاوية ولد سيد احمد الطائع هذه الأحداث
العرقية التي ترقى إلى درجات التصفية العرقية حسب البعض خلفت وراءها جراحا أليمة
مازالت إلى اليوم تثير العديد من التساؤلات التي ينبغي أن تحصل على إجابات حتى
نتمكن من تجاوزها لأن الشعب الموريتاني بحاجة إلى هكذا عمل للبدء في مسيرة التنمية
الطويلة والتي لا مؤشر على قربها .لقد أصدر السيد معاوية ولد الطايع في سنة 1993
قانون عفو بموجبه يسلم مرتكبي تلك الأعمال الإجرامية من الملاحقة القانونية عن
طريق برلمانه المزيف على الدوام وبذلك يكون الجلاد نفسه قد برء ساحته من جريمة لم
تتضح حقيقتها بعد وهو أمر غير ممكن قانونا إذ كيف يمكن أن يكون الجلاد هو الخصم
والحكم في آن، عطفا على هذا الموضوع خرج مئات من شريحة ضحايا أحداث التسعينات في
مظاهرة يوم السبت الموافق ل 9/2/2013 رفضا لذلك القانون ومطالبين بإلغائه و محاكمة
الضباط المسئولين عن تلك الجريمة وهو حق
لهم لا يمكن التنازل عنه بأي شكل من الأشكال لان الحق لا يسقط بالتقادم كما يقال،
إذا بعيدا عن المسرحيات سيئة الإخراج التي تنظمها الأنظمة المتعاقبة بدعوى الوحدة
الوطنية والمواطنة والمساواة التي لا تعدو كونها تبذيرا للمال العام وهروب إلى
الأمام من المشاكل التي ستعصف بالمجتمع إن لم يوجد لها حل فإن تلك الأحداث ستظل
تحفر عميقا داخل كيان هذا المجتمع المفكك أصلا والقائم على القبلية والفوقية بإدارة
من أنظمة عسكرية فاشلة تتبادل الأدوار.
من مصلحة موريتانيا أن تجد حلا نهائيا لقضية
الضباط الذين تمت تصفيتهم كما وجدت حلا ولو غير كافي لمشكل اللاجئين الذي بدأ في
عهد الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ
عبد الله، وعلى الشعب الموريتاني أن يدرك أن مصلحته ليست في التكتم والسكوت على
هذه الأحداث واتهام أصحابها بالعنصريين لأن هذا لا يخدم موريتانيا بالمرة ، القضية
هنا ليست قضية عنصرية بقدر ما هي حقوق ضحايا يسعون إلى الحصول عليها وعلى الدولة
أن تعطيهم هذا الحق بالطريقة التي ترضيهم لا أن تكتفي بالتفرج أو بالإدانة في أقصى
الأحوال، الدولة الموريتانية تعاني وهذا ما يجب أن يأخذ بعين الإعتبار، هناك شرائح
من المجتمع انتبهت إلى أن مواصلة النهج الماضي في التعاطي مع العديد من القضايا
الحساسة لم يعد مقبولا خاصة فيما يتعلق بقضية الإرث الإنساني (العبودية) إذ لا
يكفي أن نقر قوانين ليس هناك اقتناع لدى البعض بها وهو غير مستعد للانصياع لها،
القضية الثانية هي الأحداث الأليمة التي راح ضحيتها ما يناهز 28 ضابطا زنجيا على
الأقل بتهمة التخطيط للانقلاب على حكم ولد الطايع البائد، إذا على الشعب
الموريتاني ألا ينخدع ببعض الأقاويل التي تتحدث عن أيادي خارجية لإثارة الفتنة كما
يقال، وأنها محاولة لزعزعة الوحدة الوطنية المزعومة حين يقدمون لنا مشهد رقص على
أنه وحدة وطنية ،لا أبدا ،ينبغي معالجة المشاكل المطروحة جذريا ، فما يهدد ما يسمى
بالوحدة الوطنية ويزيدها تشرذما هو التستر على التهميش والظلم والفقر واللامساواة
.
علينا أن ندرك أن التعايش على هذه الأرض قدر
أبدي لا مفر منه وينبغي الإقرار بذلك من خلال إنصاف المظلومين، لا أن يتخذ ذلك
وسيلة لفرض قرارات على البعض، ومطالبتهم بعد ذلك بالسكوت عن حقوقهم ، وإذا اتفقنا
جدلا ألا حق فينبغي كشف الحقيقة حتي يدركها الكل ويعملوا على تخطي هذه النقطة
السوداء من تاريخ هذا البلد التعيس بحظه الذي قدر له أن تظل تتقاذفه الأنظمة
العسكرية إلى ما لانهاية.
نفس الطرح ينبغي أن تعالج به قضية
العبودية التي لازالت منظمة إيرا الحقوقية تكشف يوما بعد آخر حالات منها في حين
يستمر البعض في إنكار وجودها ، وبغض النظر حول وجودها من عدمه فإنه ينبغي كذلك أن
نعترف أنها نقطة مؤلمة ينبغي أن نضع لها حد وأن يعاقب كل من يثبت عليه قضائيا
ممارستها ،هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن نحصل بها على شعب متجانس ومتسامح ،
إحقاق الحق وإنصاف المظلومين أينما كانوا ومهما كانوا ولنتذكر أنه ما ضاع حق وراءه
مطالب.