كما عودتنا دائما مؤسسات التمويل الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد
الدولي) علي فرض شروطها المجحفة علي دول
العالم الثالث التي لا تتوفر علي مقومات ولا قوة اقتصادية تسمح لها بمناقشة هذه
الشروط ، فإنها تطيع صاغرة لتلك الاملاءات التي يكون ورائها في الغالب الدول
المهيمنة علي الاقتصاد العالمي، تلك الشروط التي تمرر عبر هاتين المؤسستين التين
تبدوان في ظاهرهما من مؤسسات هيئة الامم المتحدة الاقتصادية وفي باطنهما أدات لطحن
الدول النامية بالديون حتى لا تتمكن من الاستقلال الذاتي من الناحية الاقتصادية وتظل
في تبعية مستمرة لاقتصادات هذه الدول التي من الغني القول أنها لا تسعى الا
لمصالحها وليس لنا ان ننتقدها على ذلك لأنه ببساطة شديدة حقها المشروع.
إن أحد هذه الوسائل هو ما يعرف بخصخصة المؤسسات العمومية أي بيعها
لرجال أعمال خصوصيين وما ينجم عن ذلك من تسريح للعمال ،إذ ان المالكين الجدد لهذه
المؤسسات المخصخصة لا يسعون الي عمالة مقنعة كانت خزينة الدولة تتحمل نفقاتها دون مردود علي هذا الانفاق.
ونتيجة لانعدام رأية واضحة لهذه الدول لامتصاص العمالة المطرودة من
هذه المؤسسات فإن هؤلاء العمال ينضمون الي فئة العاطلين التي تتجاوز نسبتهم 30%
ليتجهوا مباشرة الي مزاولة الاعمال اليدوية التي
تعتبر الملاذ الاخير لهم بهدف تغطية الحاجيات اليومية الملحة، ونتيجة لضعف الدولة
خصوصا من ناحية قوانينها التي تنظم مجال العمل أو قل نتيجة لسيطرة رجال الاعمال
علي مفاصل الدولة بصفة خفية فإن الدولة تعجز عن تطبيق هذه القوانين مما يذهب ضحيته
العمال البسيطين خصوصا انهم (أي العمال) في الغالب يجهلون حقوقهم التي يكفلها لهم
قانون الشغل.
التقيت بشاب من العمال اليدويين وتبدو عليه آثار
عمل شاق، فسألته عن عمله وكيف يبدوا فقال في أسوء حال تتصوره، راتب لا يغطي الخمسة
ايام الأولي بعد تقضيه، فقلت له كم هو راتبك فقا لي 20000 ألف اوقية مع عمل متواصل
من الصباح حتى المساء، وإذا تعرضت لحادث اثناء العمل فانهم يقطعون راتب اليوم الذي
تغيبت فيه للعلاج ومن باب أحرى أن يتحملوا علاجك، فقلت له لم لا تذهبوا الي نقابات
العمال لتوفر لكم الدعم، فقال دعك منها فهي لا توفر سوى ضياع الوقت، قلت له هل
سمعت بما يسمى الحد الادنى للأجور، قال ، سمعت به ولكن هل تستطيع ان تتكلم فببساطة
يلقوا بك خارج العمل بدعوي انك ستعطل الشغل أو في الغالب يتهمونك بسرقة شيء ما
كسبيل لفصلك، وفي النهاية انا الخاسر لانني على الاقل لم يعد لدي ما أكذب به علي
صاب الحانوت(ضاحكا).
تركته في حسرة تامة على هذه الدولة التي يتشدق
حكامها يوميا بحقوق العمال وبالانجازات التي تحققت في ظل رعاية فخامة القيادة
الوطنية والتي لا تبدو في مجملها سوى وسيلة لطحن المواطن الفقير الذي لا يملك حول
ولا قوة في مواجهة رجال أعمال مسيطرين في الغالب علي اتخاذ القرار مهما كان.
إن نطاما يكون الرئيس فيه متهما بممارسة التجارة
سيكون دون شك بعيدا كل البعد عن السعي لمصلحة الطبقة الكادحة التي تكافح علي مختلف
الاصعدة لتوفير لقمة العيش، هذا النظام الذي يتهم بالزبونية والمحسوبية في كل خطوة
يقوم بها ليس مؤهلا بطبيعة الحال لحكم شعب فقير في الغالب، لان هذا النظام سيكون
مشغولا بالبحث عن المصالح الشخصية التي تتناقض تماما مع المصلحة العامة وهذا
بالضبط ما وقعت فيه موريتانيا بقيادة رئيس لا يملك من الشهادات ما يؤهله لقيادة
بلد في أمس الحاجة الي من يعرف حاجياته الاقتصادية وكيف يتم الحفاظ عليها، بعيدا
عن الخطط الارتجالية التي تتخذ علي عجل دون أدنى دراسة لجدوائيتها ومستوى مردوديتها
علي الامدين الطويل والمتوسط .
وعلي ضوء المؤشرات الحالية التي تفرز كل يوم
المزيد من التظاهرات العمالية المطالبة بحقوقها والطريقة الفجة التي تعامل بها من
قبل هذا النظام فانه لا يبدو ان هناك سعي للرفع من المستوي المعيشي لهذه الفئة
الضعيفة ماديا، وفي ظل تجاهل تام لتلك الاخري المتعلمة التي تواجه يوميا بمسيلات
الدموع والضرب المبرح الذي يؤدي في بعض الاحيان الي الكسور ومزيد من الاعتقالات
الغير مبررة فغلي أين يا موريتانيا؟.