لا يختلف اثنان علي مدي خطورة هذا اليوم علي الصحة العامة بسبب الغبار
الذي يغطي كل اجواء مدينة انواكشوط من اقصاها إلي اقصاها ، تحيلني هذه الأجواء إلي
السنوات التي قضيتها في الداخل(الولايات الداخلية) ابان دراستي الإبتدائية حينما
كنت وزملائي نغضب علي الطبيعة وعلي موقعنا الجغرافي الذي وضعنا في منطقة كثيرة
الغبار والأتربة المتنقلة التي كانت تسبب لي مرض ضيق التنفس باستمرار، كنا نتفق في
مثل هذه الأيام علي عدم الذهاب إلي المدرسة وكأننا ننتقم من الغبار والطبيعة وكان معلمنا
الذي احتفظ في مخيلته بتعامله الذي يتسم بالصرامة وحدة الطباع كان يضربنا بقسوة
شديدة حينما نتغيب وكأنه ينفس عن غضبه من الطبيعة هو الآخر ولكن علي حسابنا.
بعد هذه المدة الطويلة ندرك الآن كم نحن غبيين حين نقوم بهذا التصرف
الصبياني لأننا نسبب لأنفسنا الإهانة والتنكيل ولكن في نفس الوقت تأخذني الرأفة
علي معلمي وكافة المعلمين الذين يكونون بجد وشقاء مستقبل موريتانيا خصوصا في تلك
المرحلة من العمر التي يصعب التعامل معها، انهم بكل بساطة هم من ينبغي الإعتناء
بهم وتوفير كل حاجياتهم ليستمر هذا العطاء علي الرغم من الملاحظات التي تسجل علي
التعليم في الوقت الراهن والتي تعزي إلي الوضع السيئ الذي وضع فيه المعلمين، إن كثيرا
من المسئولين الحاليين والماضين لم يكونوا الا معلمين خدموا في هذا القطاع فكيف
بهم يهملوه و ولا يعطوه كافة العناية الضرورية لتأمين مستقبل موريتانيا.
إن المعلمين الذين يتحملون كل الآلام التي يفرضها عليهم الواقع
الجغرافي والاقتصادي البائس لأغلب الولايات الداخلية خصوصا المناطق الحدودية والتي
تفتقر إلي ابسط مقومات الحياة اللائقة، لهم الأولي أن يتمتعون برواتب تغطي كل
حاجاتهم، فمستقبل موريتانيا يتوقف علي المجهود الذي يقدمونه وسيكون مجهودا ناقصا
مادام المعلم يفكر في الكيفية التي سيعيل بها أسرته غدا في ظل راتب هزيل لا يسمن ولا
يغني من جوع.
لكن أن يتم تجاهل مطالبهم وفصلهم لهو الغباء وعدم المسؤولية، إن أهمية
هذا القطاع سبقتنا لها الدول الغربية التي تعطي للمعلم أهمية قصوى في الرواتب
والضمان الصحي والإجتماعي يليه في ذالك الجندي-البعيد عن السياسة المتفرغ لعمله في
حماية بلاده- والطبيب فهؤلاء هم الكوادر الأساسية لقيام أي دولة تريد البقاء.