الجمعة، 19 أكتوبر 2018

الأخلاق و حقوق العمال في قطاع الأعمال


يقول جورج قرم، وهو خبير اقتصادي ومالي لبناني، و اختصاصي في شؤون الشرق الأوسط ودول حوض البحر المتوسط أثناء ترأسه لجلسة بعنوان " أنماط المشاركة بين القطاعين العام والخاص"  سنة 2011 ومعقبا على كلمة أحد المتدخلين أنه و أثناء مداخلته سنة 1999 لتقديم الموازنة أمام مجلس النواب اللبناني ذكر قضية " أخلاق قطاع الأعمال " و عندها امتلأ المجلس ضحكا لغرابة هذه الكلمة على مسامعهم، إذ أن هناك تضاد وتعارض بين المفهومين أي  " الأخلاق " و " قطاع الأعمال " مستنتجا في ذات الوقت أن هذا يدل على عدم الوعي بــ " المسؤولية الإجتماعية بالقطاع الخاص ". عدم الفهم  هذا يحيلنا إلى مسألة في غاية التعقيد، في حيزنا الجغرافي الموريتاني. وهو ذات العنوان الذي تحدث عنه الخبير الإقتصادي.
أذكر خلال جلسة نقاشية مع صديق يعمل في إحدى الشركات الموريتانية الخاصة ما ذكر من إهمال وتعدي صارخ يحدث في حق العمال، سواء كانوا موريتانيين أو أجانب، إلا أن هذا الإحتقار يتضاعف مع الأجانب الذين يتم استغلالهم مثل الآلات دون وجود رعاية صحية و لا أي حقوق من أي نوع مع وجود راتب ثابت لا يتغير مهما تغيرت ظروف الشركة إلى الأحسن أما و أنت تتراجع مداخيل أنشطتها فتخفيض الأجر مسألة مفروغ منها.
والحقيقة أن ذلك هو السائد على عموم التراب الوطني، فالقطاع الخاص ممثلا في الشركات الموريتانية المحلية أو الشركات متعددة الجنسيات العاملة في موريتانيا لا تعبأ نهائيا بعمالها، فشركة تازيازت كمثال على الشركات متعددة الجنسيات أو العابرة للحدود تفصل بين عمالها الأجانب مع خدمة فاخرة و ظروف لائقة جدا و معزولون في سكن خاص راقي، في حين تَعزل بقية العمال في مساكن أخرى أقل مستوى وتجهيز من الآخرين،كما أن بعض الشركات المتعاقدة معها أيضا ترفض توفير السكن لعمالها في مساكن تازيازت المخصصة للموريتانيين، بل وتقوم بإسكانهم في مدينة " الشامي " لأن ذلك أقل تكلفة و دون مراعاة الجانب الأخلاقي في توفير الظروف الملائمة لعمال يتنقلون يوميا لمسافة طويلة لأداء هذه الأعمال، ثم إن شركة MCM أيضا تشارك في الإهمال والتعامل اللاأخلاقي مع عمالها فالمرضى كثيرون بفعل السموم التي يتعرضون لها و أقرب مثال على ذلك وفاة العامل محمد ولد المشظوفي 2012 بعد تعضره لضرب مبرح من طرف عناصر من الحرس الوطني أثناء اعتصام لعمال تلك الشركة لتلبية مطالب تم الاتفاق عليها مسبقا مع الشركة، و عامل آخر لشركة وسيطة توفي نتيجة استنشاقه لمواد خطرة أثناء القيام بأعمال تنظيف في مقر الشركة. دون أن ننسى عمال الميناء الذين يثورون بين الفينة والأخرى و يتم إسكاتهم و تهدئتهم بحلول مؤقتة سرعان ما يثبت أنها مجرد عملية بيع للوهم لمجموعة من الفقراء ينقلون على كواهلهم أغلب الواردات الغذائية الموريتانية. وعندما يثورون تكون لهم قوات مكافحة الشغب بالمرصاد، حتى أنهم غير مسموح لهم بالتعبير عن واقعهم المرير، هذه النقطة بالذات تثير جانبا قاتما سنتناوله لاحقا حول مشاركة الحكومة نفسها في نسف أي أساس أخلاقي يمكن أن يأسس عليه العمال – أي عمال – مطالبهم المشروعة من وجهة نظرهم.
إن مسألة الاخلاق و القيم لدى قطاع الأعمال في غاية الحساسية فمن جهة نحن نتحدث عن قطاع لا يهمه إلا تحقيق الأرباح، مهما كانت الطريقة، إذ قلما تجد صاحب شركة خاصة يهتم للظروف الصحية والإجتماعية لعماله مجسدين الوجه القبيح لليبرالية المتوحشة التي لا تلقي بالا للعمال و ما يهم فقط هو القدرة الإنتاجية للعامل و كم سيضيف من ربح و في حالة ما إذا تعرض لضرر مادي أثناء العمل فالإهمال هو مصيره دون محاسبة أو عقاب، ومن جهة ثانية نحن أمام دور  غائب أو مغيب للدولة أو الجهة الرسمية المعنية بذلك كراعي لحقوق العمال و مصالحهم. إن العالم اليوم أصبح يطبق ما يعرف بالليبرالية الاجتماعية بفعل الوعي المدني في هذه الدول، فالشركات ملزمة وفقا لقوانين محددة بحفظ حقوق العمال عن طريق توفير الرعاية الصحية والإجتماعية فعليا وليس على الورق كما يحدث في موريتانيا، بل على العكس من ذلك، فنحن نتذكر جميعا قمع قوات الشرطة و ملاحقتها لعمال الميناء " الحمالة " في شوارع نواكشوط، فقط إرضاء و محاباة لرجال الأعمال الجشعين الذي وصل بهم الأمر في إحدى المرات لتهديد العمال المضربين " بجلب عمال من السنغال " إذا ما استمر إضرابهم، هذا الموقف ومواقف أخرى مشابهة كما حدث مع عمال MCM  يدفع إلى التساؤل عن الدور الإجتماي للدولة و هل يمكن ألا تكون مدركة بأن توفير الظروف الملائمة لهم يساعد على التنمية الإقتصادية، و غير ذلك يساعد على ضعف الانتجاية وضعف النمو الاقتصادي ، و بغض النظر عن نوع العامل و جهة عمله يعتبر توفير ظروف ملائمة مسألة تعود بالنفع على إنتاجيته مما يساهم بشكل أكبر في زيادة الدخل القومي وتحسن الإقتصاد بشكل عام. أما أن يتحالف رجال الأعمال أو يتحكمون على الأصح في مصدر القرار و المسئولين عن تطبيق القرار فذلك يجعلنا مباشرة نستنتج ألا أخلاق ولا مسؤولية اجتماعية سيتحملها هؤلاء اتجاه العمال، بل إنهم سيظلون يستغلونهم حتى يصبح الواحد منهم غير قادر على العطاء فيتم رميه بعيد واستبداله بآخر  يقوم بنفس الدور، هذا هو نهج الدول التي يتحكم فيها العسكر أو بشكل أدق، العسكر - رجال الأعمال.    
 

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

رأيكم يهمني

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

blogtopsites'