الجمعة، 27 أكتوبر 2017

المجرية.. مدينة يسكنها الخراب والعطش والاهمال (ح 3)

المجرية.. مدينة يسكنها الخراب والعطش والاهمال (ح 3)

ذكرت سالفا أن الحالة الإقتصادية متدهورة حيث  أن هذه المدينة لا تتوفر على أي نشاط اقتصادي مهم البتة، فلا العُمدْ المتعاقبين على المدينة منذ سنين خلت سعوا لذلك ولا النظام أيضا، وكيف ذلك لمدينة تستثمر في الصراع من أجل الصراع، بل إنهم يسخرون باستمرار من أي شخص يحاول الاعتماد على نفسه و تحصيل قوت يومه بعيدا عن استجداء الناس.
 سيقولون لك هناك مشاريع أقيمت لمصلحة المدينة و سيكون الرد سريعا، أين هي تلك المشاريع ماذا قدمت للساكنة، لقد تفرق دمها بين الناس، كل استولى على جزء فلا هي أفادت من استولى عليها ولا أفادت مواطني المدينة.
في انتظار الماء



 إنك لتبدأ المسير في أحد الشوارع فلا تكاد تلقى في طريقك إلا كثبانا رملية و أحجارا متطايرة و ليس عليك أن تخشى إلا على أحذيتك التي ستتطاير بفعل صراعك المستميت مع تلك الرمال التي تحاول سلبك إياها أو صخرة متربعة في الطريق سقطت من إحدى البنايات المهملة منتظرة أن تتعثر لتدمي إصبعك و تتركك في ألم شديد، و سيكون من الصعب عليك أن تلاقي قطرة ماء لغسل ما سال وعلق بك من دماء فأنت في مدينة العطش بلا منازع.
                                                          انتظار الماء
كان مصدر المياه الوحيد بالمدينة هو ما يعرف محليا ب " أشتف " عبر قناة المياه الموصّلة عن طريق " سُرسْ " ثم حدث أن زُودت بما يعرف ب " صونداج " الضي كان يعمل عن طريق الطاقة الشمسية، لكن ظل العطش هو سيد الموقف دوما على الرغم من ترجيح اشتقاق تسمية المجرية من عبارة ( الماء يجري)، و يعزي بعض ساكنة المدينة استمرار العطش بالأساس إلى أن شركة المياه أزالت الطاقة الشمسية التي كانت تغذي " صونداج " و أبدلتها بالبنزين بحيث تتمكن من فرض فواتيرها على سكان المدينة و مع ذلك لم يتوفر الماء بل أنها تتحجج مرة بتعطل المحرك و مرة أخرى بنفاد البنزين وفي النهاية تبقى ساكنة المدينة هي الضحية.

موزع المياه المعطل



 في الفترة الماضية تم تشييد "موزع مياه جديد " بسفح الجبل و كان القشة التي قصمت ظهر البعير، فلا الموزع أوصل المياه و أزال المشكلة ولا المياه الأصلية قادرة على تزويد المدينة كلها بالماء و بالتالي بات السكان في حالة عطش مستمرة، إذ لا تزال الجهة المشيدة له في خلاف مع الشركة اللاوطنية  للمياه و هذه الأخيرة عاجزة عن توفيره للمدينة. ولا يتوفر على مياه شبه دائمة (متقطعة)  إلا الجانب الغربي للمدينة أما الجانب القديم منها فهو يعيش في حالة عطش دائمة ووصل الأمر إلى حد أن برميل المياه وصل ل1000 أوقية في مدينة يكاد ينعدم فيها الدخل اليومي تقريبا، زِدْ على ذلك أن النظام الحاكم (نظام تحصيل الضرائب ) زرع هناك شركة المياه التي أصبحت مهمتها الوحيدة تقريبا توزيع الفواتير على المواطنين، فأصبح كاهل الفرد يعاني من صعوبة تحصيل قوته اليومي بالإضافة إلى دفع فاتورة لا يصله أصلا ما يجب أن يدفع مقابلها وعند مراجعة الشركة في الأمر يقولون لك إن ذلك عبارة عن ضرائب عمومية وعلى الفرد دفعها.
                                           موزع المياه غير المشغل
وفي ظل عدم قدرة بلدية المدينة على جلب مشاريع ذات نفع عام مستمر - ما يمثل تقصيرا واضحا و عجزا ملاحظا - لجأ المواطنون لمساعيهم و جهودهم الذاتية التي قُلت سابقا أنها لا تسمن ولا تغني من جوع. فمن المسئول عن هذه الوضعية الكارثية، من لديه القدرة ليقول لهؤلاء الفقراء لقد عجزت عن تلبية مطالبكم وعليكم السعي بأنفسكم لحل هذه المشكلة، من لديه القدرة على تحمل المسئولية ليقول نعم أنا عاجز و عليكم الخروج و المطالبة بحقوقكم كما فعل سكان " روصو " و " خريزت كيمي " و باقي مدن الوطن، من لديه القدرة على ترك المواطنين يخرجون في مظاهرات كما فعلوا من قبل إبان أزمة الكهرباء ؟ لا أحد إلى حد الساعة. 
تعتبر المجرية تاريخيا خليطا من مكونات اجتماعية مختلفة وافدة، فهي تاريخيا مثلت مأوى للكثير ممن يبحثون عن حياة أفضل خاصة أنها كانت مقرا للمستعمر في فترة ماضية وصار كل صاحب مظلمة يفد إليها طلبا للإنصاف وبذلك تشكل النسيج الإجتماعي الحالي، إلا أن ذلك الوضع أورثها ضعفا كبيرا في الفترة الحالية، الفترة التي لا يقدر فيها نظام العسكر إلا من لديه قبيلة أو جهة ضاغطة، فبالنظر إلى أن الأنظمة العسكرية المتعاقبة على موريتانيا عمدت إلى الاستثمار في القبائل وشيوخها سبيلا للتمسك بالحكم من خلال تبديد أموال الدولة عليهم، و باعتبار المجرية تمثل الخليط الإجتماعي سالف الذكر أضحت لا تتوفر على مجموعة قبلية تتحدث و تضغط باسمها - ولها أن تفخر بذلك- و بالتالي وقعت بين فكي كماشة بلديتين مقسمتين على مجموعتين قبليتين تتصارعان على النفوذ و كل منهما تحاول استقطابها في حين تمثل هي المركز الإداري للمقاطعة ككل، إلا أن التمثيل السياسي (على عدم أهميته في ظل هكذا أنظمة)  تتقاسمه هتين المجموعتين و يترك فتات التمثيل السياسي لشخصية مختارة بعناية تتميز بقدرة فائقة على الطاعة العمياء وتنفيذ الأوامر. وقد وصل الامر إلى أن استطاعت بلدية " انبيك "  في فترة الدكتاتور معاوية ولد سيداحمد الطايع أن تحول الإعدادية التي تقرر فتحها إليها بدل العاصمة الإدارية للمقاطعة " المجرية " إلى أن ثار بعض رجالات المدينة رفضا لذلك فتم افتتاح إعدادية في منتصف السنة الدراسية.
كل هذه الظروف الصعبة  والانصياع الدائم " للغرباء" أولائك القادمون من تحت المكيفات لا يمكن تفسيره إلا لغياب الحد الأدنى من الاعتماد على الذات القائم على مستوى معين من التعليم، تلك الركيزة الأساسية التي تغيب عن الكثير من أهلنا هناك، وللأسف أنتم تعيدون نفس الكرة مع أبنائكم، أنتم تفرضون على أبنائكم السير على خطاكم وكأنكم أقسمتم ألا يتحرروا من التبعية و الخنوع، فأصبح الكثير لا يثقون في أنفسهم ولا في من يحاول تخليصهم من واقعهم المرير، بل إنهم يعتبرون ألا مستقبل لهم من دون " الغرباء"، إنكم بإبعاد أبنائكم عن المدارس و التعليم بشكل عام تكمون عليهم بالفقر و بالتالي تجبلونهم على الخنوع للآخرين، و حتى و إن فرضت الظروف عليكم إرسالهم إلى المدرسة فذلك لأنكم تريدون التخلص منهم، و النتائج الأخيرة لمسابقة ختم الدروس الإعدادية تثبت ذلك إلى حد بعيد أما نتائج مسابقة الباكالوريا فتأكده بما لا يدع مجالا للشك، فمنذ سنوات لم ينجح أحد على الإطلاق، أليس هذا محرجا جدا. 
إن أي استقلالية و إثبات للذات في بلاد الله هذه التي يأكل فيها القوي الضعيف لن تتحقق إلا بالتركيز على التعليم ولن يتأتى ذلك إلا بالصبر فليست لكم حاجة في أن تتحملوا وزر جيل كامل، جيل ستورثونه - في هذه الحالة – الفقر والتبيعة واحتقار الذات  واحتقار الغير قبل كل شيء.
إن سرد هذا الواقع المرير لمدينة هجرها أهلها و تركوها منكوبة لا يدخل في إطار التشهير بها إنما هو تذكير للذين رحلوا أن من حقها (أي المجرية) عليهم أن يتذكرونها و من حق القاطنين فيها القابضين على جمرها الملتهب أن يتخلوا عن صراعاتهم المشينة و نهش أعراض بعضهم البعض بسبب سياسيين فاشلين يزورونهم فقط في فترة المناسبات السياسية، لا لشيء سوى أن يذكوا من جديد نار الخلاف بينكم فهم يخشون اتحادكم و توحدكم الذي سيعصف بزورهم واستهزائهم بكم و كذبهم عليكم، وما عليكم فقط سوى أن تنتبهوا لما يحاك لكم، فهم لا يريدونكم إلا أن تظلوا تحت إمرتهم، حيث يأتي الواحد منهم في زيارة خاطفة و في اجتماع يترفع حتى عن مخالطتكم فيه فيلقي عليكم كلاما معسولا هو في الغالب كذب وبهتان و لا يعدو كونه وعود عُرقُوبِية. كما يجب أن تقفوا في وجه الأباطرة القاطنين في نواكشوط والذين يأتون فقط في فترة الانتخابات فهم ليسوا منكم ولا ينبغي لهم ذلك، إنهم مصاصو دماء وانتهازيون لا أكثر.

 إن أهم شيء يمكن أن تطالبوا به هو إقامة مشاريع تستوعب كل الشباب العاطلين في المدينة و توفر لهم ما يسدُّ رمقهم وليس كلاما يذهب مع الريح كما اعتدتم، هذا هو ما يجب أن تطالبوا به منتخبيكم أما نقودا توزع عليكم في تلك الزيارات الكرنفالية فلن تغنيكم و لن تفيدكم في صراعكم اليومي مع الحياة.
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

رأيكم يهمني

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

blogtopsites'