زعماء ما كان يعرف بالمنسقية |
كان الرحيل هو الشعار والعنوان لكل المسيرات
التي نظمتها منسقية أحزاب المعارضة الديمقراطية في فترة من الفترات تميزت بحرارة
سياسية شديدة توقعت هذه الاحزاب حينها أن نظام ولد عبد العزيز ساقط لا محالة، فزاد
ذلك من قوة التحامها حتى وقعت مجتمعة ميثاق شرف " يتضمن رفض كل الحلول الجزئية التي لا تودي إلى رحيل الجنرال محمد ولد عبد
العزيز، و رفض المشاركة في أي انتخابات لا تضمن الشفافية ، وأكدت على
الالتزام بالنضال السلمي الديمقراطي."
كما جاء في الميثاق أيضا " أن
المنسقية ستعمل في إطار نسق واحد والعمل على تحقيق هذه الأهداف لإخراج
البلاد من عنق الزجاجة.
وأشارت إلى ما قالت إنه فشل النظام في معالجة
الإرث الإنساني ومكافحة الرق، وتفاقم الاحتقان السياسي، وتخبط السياسات
الخارجية التي انتقلت شرارتها إلى المحيط العربي الإفريقي، "وإذا استمرت هده
السياسات المتخبطة قد تقضي على البلاد". كل تلك النقاط جاءت في الميثاق ، فهل
تحقق شيء من تلك النقاط المذكورة اعلاه ؟
ما حدث هو أن النظام استمر في سياساته الأحادية
التدميرية ، كما استمر نفس نهج الفساد والتعيين على اساس قبلي ، بل أعاد الكثير من
الوجوه التي شتمها يوما ووصفها بأنها هي سبب مآسي موريتانيا، ومن أبرز هذه الوجوه
وزير الخارجية الحالي الذي يعتبر أحد ابرز الشخصيات في العلاقة مع إسرائيل، تلك
القضية التي استثمرها الحنرال الانقلابي لاستمالة ضعفاء العقول.
تمكن النظام اذا من تفكيك منسقية أحزاب
المعارضة الديمقراطية فكان أول المتساقطين على قصعته النتنة هو حزب التجمع الوطني
للإصلاح والتنمية "تناصل" ، حيث يعتبر هو المسؤول الأول عن تفكيك
المنسقية، فوفق فلسفته كان لابد من المشاركة وهو الذي حمل شعار الرحيل بل أقسم
زعيمه على أن رأس النظام لن يعود للكرسي إبان أزمة الرصاصة الصديقة، لا مبائ ولا
كلمة موحدة تحكمه بل همه الوحيد هو المشاركة فقط، والغريب أن تلك المشاركة تأتي في
ظل عدم تلبية أي من الشروط أو الحد الأدني الذي وضعه هذ الحزب للمشاركة فلا ضمانة
لشفافية ما يسمى الانتخابات ولا حكومة وحدة وطنية ، فقط هو طبع النكوث الموروث من
الجماعة الأم.
أعود بالذاكرة هذه اللحظات إلى المنصة المثبتة
في ساحة ابن عباس وأستحضر وفقة محمد جميل منصور ممسكا بالميكرفون مطلقا العبارات
القاسية والاتهامات بالفساد والمحسوبية في وجه النظام مؤكدا أنه لن يدخل معه في أي
انتخابات وما عليه فقط هو الرحيل لأنه اهلك البلاد والعباد، فما الذي تغير؟ النظام
هو نفسه والفساد ازدادت حدته، فكيف يبررون نكوصهم هذا وخذلانهم لجماعتهم (أقصد
جماعتهم من الأحزاب وليست الجماعة الأم)؟
ليس حزب "تناصل" وحده هو من تنصل من
مبادئه ومواقفه الرافضة للدخول في انتخابات من صنع العسكر يعرفون جيدا أنهم
مهزومون فيها شرّ هزيمة، بل انضاف اليهم حزب الكادحين ، حزب اتحاد قوى التقادم أو
التقدم، فسواء كانت مجموعة من الحزب قد تجاوزت رئيس الحزب وفرضت قرارها بالمشاركة
أو لم تفعل فإن الواقع الآن هو أنها ستشارك وستضع رئيس الحزب الذي صرح في مرة
سابقة إن العديد
من بنود اتفاق داكار كانت تتعلق بالفترة ما بعد الانتخابات، وهي "قضايا أساسية
وحاسمة بالنسبة للاستقرار السياسي، كدور الجيش، وضرورة إعادة تنظيم المؤسسة العسكرية
والأمنية بشكل يتماشي مع النظام الديمقراطي، و مكافحة الفساد، والنظام الانتخابي"،
مؤكدا أن "الجنرال أفسد كل شيء"، "ومنع الاتفاقية من التطبيق، وحصل
انتخابه بانتهاك الاتفاقية، وهو الآن المسؤول عن سد الباب أمام تجاوز هذا الأزمة السياسية".
فهل تغير شيء من ذلك؟
أبدا لم يتحقق منه
شيء، بل قال إن رأس النظام تنصل من كل ما اتفق عليه وإنهم في المنسقية استخلصوا
العبرة - وهو ما لم يتضح على الأقل الآن- ،واتضح لهم انهم اتفقوا مع طرف لا يولي
أي أهمية لما يوقع عليه، إذا ما دامت الوضعية هذه فكيف سيدي الرئيس تدخلون معه في
انتخابات محسومة سلفا؟
بعد هذا الانقسام
يمكن القول إن المنسقية ذهبت الى غير رجعة وفضلت التغطية على فضائح وفساد النظام
الإنقلابي من خلال إعطائه الشرعية بمشاركته هذه المهزلة وقضت المنسقية على أحلام
راهن البعض على واقعيتها وأثبتت أو من سيشارك منها على الأقل أنها لا تختلف عن
النظام في شيء وأن تلك الشعارات والمسيرات لم تعدو كونها نشوة آنية ومواقف بالية
عرف النظام الانقلابي كيف يذروها ويرسلها مع الرياح.