الجمعة، 30 نوفمبر 2012

الإسترقاق والانقلاب من منظور حكومة الدمى


على طول الفترة الماضية من عمرها لم تستطع الدولة الموريتانية تجاوز عدة عقبات سياسية واجتماعية كانت هي المرتكز الأساس في بقائها ضمن قاع الدول المصنفة أقل فقرا والأكثر فسادا، إذ يتفق الكثير من الخبراء والمتخصصين أن مشكلة موريتانيا لا تتعلق بمقدراتها الاقتصادية بقدر ما تتعلق بعقليات ومسلكيات إدارييها المتخلفين في الغالب والمفتقرين إلى أدنى أبجديات الإدارة، و بالعودة إلى مسببات حالتنا الراهنة يحيلنا ذلك لمشروعي القانونين الذين صادق عليها مجلس الوزراء يوم الخميس التاسع والعشرين من نوفمبر ، إذ جاء في بيانه الأسبوعي ما يلي << درس المجلس وصادق علي مشاريع القوانين التالية مشروع قانون يقضي بمعاقبة جرائم الاسترقاق والتعذيب بوصفها جرائم ضد الإنسانية، مشروع قانون يقضي بعقاب جرائم الانقلابات و غيرها من أشكال تغيير السلطة المنافي للدستور بصفتها جرائم ضد أمن الدولة >>.
بخصوص مشروع القانون الأول المتعلق بالاسترقاق نذكر هنا أن المسألة ليست سن مشاريع وغيرها ففي زمن الرئيس الانقلابي الأسبق محمد خونة ولد هيداله سنت قوانين جرمت على إثرها الممارسات الإسترقاقية وقد جند لذلك الكثير من الوسائل بما في ذلك مجموعة من "العلماء" إلا أن تلك المحاولة فشلت فشلا ذريعا بسبب أنها لم تكن عن قناعة بضرورة معالجة سلوك لا إنساني ومنافي للعقل والدين  إنما لحاجة في نفس يعقوب، لتجرم هذه الظاهرة أيضا في فترة الرئيس الانقلابي السابق معاوية ولد الطابع إلا أن ذلك التجريم ظل حبرا على ورق ساعد في ذلك اعتماد ذلك النظام الدكتاتوري على زعماء القبائل التقليديين لتدعيم بقائه  ومن المعروف أنهم الممارس الرئيس لهذه الظاهرة البغيضة، ولم يشذ الرئيس السابق السيد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله المدعوم من العسكر عن هذه القاعدة الصورية فقد شرع وجرم وكان هو أول من أعاد المبعدين الموريتانيين في الدول المجاورة لتكون القوى التقليدية كذلك بالمرصاد لكل هذه المحاولات،  على الرغم من أن  الدستور الموريتاني وفي مادته الأولى قد ساوى بين جميع المواطنين حيث جاء فيها <<....... تضمن الجمهورية لكافة المواطنين المساواة أمام القانون دون تمييز في الأصل والعرق والجنس والمكانة الاجتماعية......>>،  إلا أننا وكما تعودنا في موريتانيا ليس هناك أي قيمة للدستور ولا للقانون بل القرار هنا للقوة المادية والقبلية.
منذ بداية ظهور الحركات التي تتبنى من شعار محاربة العبودية مبدأ لها ظهر إلى العلن الموقف الحقيقي للمجتمع الموريتاني" التقليدي" من هذه الظاهرة ، ويتبين من خلال نقاش هذا الموضوع أن الكثير من الناس يعتقد بأحقيته في ممارسة هذه الظاهرة مستدلا على ذلك بآيات قرآنية وأحاديث نبوية يتضح لك أنه في الغالب لا يفهم معناها أصلا ولم يسأل عنه حتى يتبين له الحق من الباطل في هذا الشأن أو سبق أن فسر له بالطريقة التي جعلته يتمسك بموقفه، إذن المشكلة هنا فقهية بالأساس، و يفترض بالدولة إذا كانت جادة في مكافحة الظاهرة أن تجتمع بالفقهاء " المؤتمرين بأمرها"  وبالخارجين على أمرها وتطلب منهم إيضاح الموقف الفقهي الحقيقي من المسألة حتى يزول اللبس،  ولكن نتيجة لما ذكرنا سابقا تبقى القضية بأيدي القوى التقليدية المزود الأساسي لهذه الأنظمة بأسباب بقائها ولن تكون جادة في الضغط عليها مطلقا، ويرى العديد من المهتمين بهذا الشأن أن كل هذه السياسات ومشاريع القوانين  لن تجدي نفعا ما لم تدعم بآليات رادعة وصارمة في نفس الوقت بما في ذلك الجانب الفقهي، وإذا لم يكن كذلك فإن ظاهرة الاسترقاق المقيتة ستستمر بالوجود وليس مخلفاتها كما درجت العادة على تسميتها من قبل الأنظمة  المتعاقبة المناقضة لنفسها ومن جانب الغوغاء الداعمة لها التي تكرر نفس الخطاب الذي تسمعه منها.
المسألة الثانية في هذا الإطار هي تجريم الإنقلابات واعتبارها وسيلة غير قانونية للوصول للسلطة، فهذه النقطة على إيجابيتها إلا أنها مثيرة للسخرية ، ويتضح هنا أن النظام القائم لا يزال يخشى من تهديد انقلابي  على الرغم من الولاء الظاهر الذي يبديه قادة الأجهزة الأمنية و الأفرع العسكرية المختلفة ، فمن غير المنطق أن نقول أن هذا الإجراء موجه للمعارضة التي ليست لها الوسيلة لهكذا أعمال على الرغم من تاريخ بعضها في دعمه ، المثير للسخرية هنا أن رئيسا قام بانقلابين متتاليين كان ثانيهما على سلطة منتخبة نوعا ما أن يجرم الإنقلابات ويدعي بعد ذلك أنه جاء وفق انتخابات نزيهة في حين  يعلم الكل أنها مزورة أيما تزوير.
 المشكلة هنا ليست في تجريم الاسترقاق من عدمه ولا في تجريم الإنقلابات باعتبارها وسيلة للوصول للسلطة إنما المشكلة في تغيير عقليات الموريتانيين الدينية في ما يتعلق بظاهرة الاسترقاق والمدنية في ما يتعلق في كيفية الوصول للسلطة ، فمن منا يذكر أي طريقة للوصول للحكم غير الانقلابات باستثناء بعض المسرحيات الهزلية  وبذلك تكون ثقافة عند كل الطامعين في الكرسي "الغالي"، وعلى العموم يبقى مشروعي القانونين إيجابيين كسابقيهما من المشاريع ورقيا وبلا فائدة على الصعيد العملي ما لم يرفقا بآلية لتطبيقهما. 
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

رأيكم يهمني

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

blogtopsites'