وضع رأسه بين راحتي
يديه وانخرط في بكاء صامت، ثم فجأة، أصدر شهيقا ثم زفيرا طويلا جدا حتى أيقنت أن روحه
صعدت إلى السماء مباشرة، كانت عيناه حمراوين، وشعر لحيته كثيفا تتخلله شعيرات بيضاء
علامة على وقار نادر، أنفه طويل أسفله شنبٌ معد بشكل أنيق، سحنته الباردة والكئيبة
توحي لك بسر دفين، كان العرق يغطي كامل وجهه كمن تعرض لحرارة مرتفعة لفترة طويلة، رفع
رأسه وبدون مقدمات وقال:
أتراهم يسامحوني؟
هل أستحق كل هذا
العذاب ؟
وبدأ في نحيب مسموع
هذه المرة حتى انهمرت دموعه وخلّلت لحيته الكثيفة، كان صوته يتزايد باستمرار ، دامت
هذه الحالة ما يقرب من دقيقتين.
وقف منتصبا ونظر
حوله، إلى كل جوانبه كمن يتفقد شيئا ما ثم قال: ذلك أمر مضى، والله غفور رحيم، وهو
أدرى بما تخفي الصدور.
تقدم خطوات إلى الأمام
، تنحنح، ترنح قليلا، ثم كمن تذكر سرا ماضيا يعود لزمن سحيق، رسم ضحكة باهتة على محياه،
نظر إلى السماء طويلا وقال: آه من تتلك الأيام الجميلة! كم كنت محترما وذا شأن ولكن
......
سكت فترة قبل أن
يكمل قائلا أستغفر الله وبدأ في نحيب مسموع تتخلله كلمات نابية وقاسية يوجهها لنفسه
الأمارة بالسوء، تذكر تلك المرأة الفقيرة، تلك المسكينة، ثم جلس متكورا على نفسه ولاذ
بصمت قاس تقطعه أحيانا همهمة غير مفهومة ترتفع وتنخفض بتتابع آلي.