الصفحات

الاثنين، 9 ديسمبر 2019

هل يحق لنا المطالبة بالغاء الاتفاقيات المبرمة مع المستثمرين الأجانب ؟




انطلقت قبل فترة حملة (تدوينية) على فيسبوك للمطالبة بطرد بعض الشركات المستثمرة في موريتانيا في مجال الصيد، خاصة شركة (بولي هوندون بلاجيك فشري السمكية)، التي اتهمت باستغلال الثروة السمكية الموريتانية بشكل ينتهك المعايير المتفق عليها كما أنها لم تلتزم بالاتفاقية الموقعة مع الحكومة الموريتانية، و نظرا لأن هذه المطالب قد لا تتماشى مع القوانين الدولة المتعلقة بحماية الاستثمار فقد أحببت المساهمة في هذا النقاش من خلال الفقرات اللاحقة.
تعتبر موريتانيا من بين الدول الفقيرة في العالم و العالم الثالث بشكل أدق، حيث يكثر الفساد والرشوة والمحسوبية و الصفقات تحت وفوق الطاولة، وهي ظروف مواتية لبعض المستثمرين الأجانب خاصة الشركات ذات رأس المال الكبير أو التي يصطلح على تسميتها بالشركات الفوق وطنية أو العابرة للقارات، أي أن قدرتها المالية و تأثيرها عابر للقرارات والسلط الوطنية إذ قد يكون مركزها المالي أكبر من ميزانية بعض الدول.
تبقى قوة الدولة و قدرتها على التفاوض هي الفيصل في الحصول على مردود أكبر أثناء المفوضات التي تنشئ على اثرها الاتفاقيات المبرمة مع هذه الشركات، و موريتانيا كغيرها من الدول التي تعتمد بدرجة معينة على المساعدات الدولية و ثنائية الأطراف، رغم اختلاف أنواع هذه المساعدات، تبقى معرضة بشكل كبير لضغوط هذه الشركات سواء عبر الدول التي تمثل هذه الشركات أذرعا اقتصادية قوية لها أو من قبل الشركات ذاتها التي قد تُقدم على مختلف السبل، خاصة إذا كانت الدولة تتوفر على مواد أولية هائلة مثل النفط والنحاس والذهب والغاز.
يورد العديد من الخبراء في الشأن الأفريقي تورط العديد من رجال الأعمال والمليارديرات أصحاب الشركات العملاقة في عمليات رشوة لزعماء أفارقة ولعل حديث الجنرال محمد ولد عبد العزيز عن محاولة المليارير الفرنسي  فينسان بولوري رشوته (لا تتوفر معلومات عن حقيقة الموضوع سوى ما ذكر هو ) خير دليل على قوة هذه الشركات التي وصلت حتى لمحالة التأثير على قرارت من هُم في سدة الحكم في البلدان الافريقية حتى وإن كانت تلاحقهم اتهامات فساد كثيرة، علما أن هذا الملياردير اتهم في فرنسا بقضايا فساد تتعلّق خصوصا باستحواذ مجموعته على موانئ في توغو وغينيا.
الحديث إذا عن الرشوة والفساد مسائل لا تنتهي أبدا و يعزز ذلك الاوضاع البائسة التي تعيشها أغلب دول القارة رغم كثرة الموارد الأولية التي تزخر بها هذه الدول ورغم المليارات الطائلة التي تتطاير من هؤلاء الحكام هم و أقابهم، و نظرا لأن الشركات الكبرى تسعى دائما للتوسع و الانتشار عبر الاستحواذ على كل مصدر للطاقة في العالم فإنها مستعدة لأي شيء و في مقدمة ذلك الرشوة بمبالغ تثير الدهشة  وتجعل عرق أي حاكم أو مسئول يتصبب كشلال هادر ، سبيلا للحصول على مبتغاها، إن المشكلة لا تكمن هنا فحسب بل تتعدى ذلك إلى المخلفات والآثار الممكن حدوثها ما بعد بداية استغلال هذه الموارد، فتتعدد هذه الآثار إلى بيئية كانتشار السموم (شركة نحاس موريتانيا) أو الى الاستغلال المفرط لهذه الموارد دون حسيب أو رقيب، فلا المسئولين مهتمين نظرا للمبالغ التي دخلت حساباتهم أو نظرا للعقود المبرمة مع شركاتهم و لا القدرة الفنية للدولة تسمح بمراقبة  فعّالة نتيجة الطبيعة السائدة في الدول الافريقية حيث لا تتوفر على الامكانيات الضرورية لمراقبة صارمة.
تبقى الاشكالية مطروحة بشكل كبير للدول الافريقية، ففي حالة سقوط نظام وحلول آخر بدله و فكر في مراجعة هذه الاتفاقيات أو ثارت  الشعوب الافريقية التي قد تطالب بمراجعة هذه الاتفاقية ، هنا و نظرا للقوانين الدولية التي تمنع انتهاك الاتفاقيات الاستثمارية  والتي تحمي حقوق المستثمرين عائقا كبيرا في وجه هذه المحاولات، إلا أن طريقة وحيدة تبقى متاحة للدول ضحية هذه الاتفاقيات المجحفة على الرغم من ضآلة  احتمالية الاستفادة منها نظرا لاحتياط الشركات الكبرى في هذا الجانب لخبرتها المتركمة. إن هذه الطريقة تتمثل في باب الغاء أو مراجعة الاتفاقيات في حالة اخلال أي طرف ببنودها، وقد أقرت موريتانيا في هذا الاطار مدونة الاستثمار الصادرة 2012 و المراجعة 2016 و التي ضمت العديد من المزايا والحوافز المشجعة على الاستثمار، إذ نصت بداية وفق " المادة التاسعة (9) من باب " ضمان وحقوق وحريات المقاولة" على أن (حرية النفاذ إلى المواد الأولية الخام أو شبه المصنعة المنتجة على كاف التراب الوطني مضمونة مع مراعاة الترتيبات التشريعية أو التنظيمية المتعلقة باستغلال المواد الأولية و تمنع عمليات التواطؤ و الممارسات المخلة بلعبة المنافسة و يعاقب عليها القانون).
أما النقطة الأهم والمتعلقة بمراجعة أو المطالبة بالغاء الاتفاقية (رغم تأثير الالغاء على فرص قدوم المستثمرين في المستقبل و مساهمتهم في تكوين رأس مال وطني ضروري للتنمية ) فقد أفردت المدونة سالفة الذكر لذلك المادة 30 تحت عنوان " النزاعات المتعلقة بتفسير أو تطبيق قانون الاستثمار " ضمن باب يسمى ( تسوية النزاعات) ما يلي:
( المادة 30 : كل النزاعات الناجمة عن تأويل أو تطبيق هذه المدونة تتم تسويتها بالتراضي، أو عند استحالة التفاهم بين الأطراف المعنية عبر التحكيم، أو تبعا لاختيار المستثمر أمام المحاكم الموريتانية المختصة طبقا لقوانين و نظم الجمهورية الاسلامية الموريتانية.
وفضلا عن ذلك فإن النزاعات بين المستثمرين الأجانب أو المقاولات المملوكة من قبل الأجانب الموجودة في الجمهورية الاسلامية الموريتانية، وبين سلطات الجمهورية الاسلامية الموريتانية، والمتعلقة بهذه المدونة يمكن أن تسوى بالتراضي أو التحكيم وذلك :
-         إما باتفاق الطرفين
-         و إما بالرجوع إلى الاتفاقيات والمعاهدات المتعلقة بحماية الاستثمار المبرمة بين الجمهورية الاسلامية الموريتانية و الدولة التي ينحدر منها المستثمر.
-         و إما باللجوء لتحكيم الغرفة الدولية للوساطة والتحكيم الخاصة بموريتانيا أو المركز الدولي لتسوية النزاعات المتعلقة بالاستثمارات الذي أنشئ بمقتضى " اتفاقية تسوية النزاعات المتعلقة بالاستثمارات " بين الدول و رعايا الدول الأخرى بتاريخ 18 مارس 1965 التي صادقت عليها موريتانيا).
إن اللجوء لهذه الطريقة يحدث في حالة إخلال أحد الطرفين بالاتفاقيات الناجم عنها عمليات استثمار، فهل راقبت الحكومة الموريتانية وتابعت نشاط هذه الشركة حتى تتحقق من التزامها ببنود الاتفاقية  لكي تطلب مراجعتها ؟
إذا يمكن أن نخلص إلى أن اتهام هذه المؤسسات يدخل ضمن ردود الأفعال العاطفية الموجودة لدى كل مواطن غيور على ثروات بلده، لكن هذه المواقف النبيلة يجب تحويلها إلى غضب  موجه إلى الحكومات الفاشلة التي سمحت أصلا ووافقت على استغلال هذه الموارد بالطرق القائمة حاليا بل إنه يجب أن يتطوع محامين مشفوعين بالبنود التي لم تلتزم بها هذه الشركة (أو الشركات) و تقديم شكاية لدى المحاكم المختصة إن كان القانون الموريتاني يسمح بذلك ، و إلا فلن يكون متاحا سوى مواصلة الضغط على الحكومة حتى تقوم بخطوات جادة لتصحيح هذه الخروقات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق